اللقاحات تصل… والرواتب تتلاشى: اختلالات مالية تهدد حملات التحصين في اليمن

النقابي الجنوبي/تحقيق/خاص
تداعيات تأخر مستحقات العاملين الصحيين على جهود مكافحة شلل الأطفال
في يوليو 2025، أنهت فرق صحية حملة تحصين واسعة في اليمن، بعد أسابيع من التنقّل بين القرى والمنازل تحت شمس حارقة وعلى طرق وعرة . حتى اليوم، لم يحصل ثلثا هؤلاء العمال على مستحقاتهم المالية، والأسوأ أن حملة أخرى نُفّذت قبل شهر لم يُدفع لأعضائها ريال واحد.
يقول أحد المشاركين في الحملات:
«نُنفّذ المهام وكأننا نعمل بالمجان، بينما الجهات الممولة تحصل على مليارات».
القصة لا تبدأ أو تنتهي عند تأخير الرواتب. فبينما تُعلن منظمة اليونيسف ووزارة الصحة عن ملايين الدولارات لدعم برامج التحصين، يعيش العاملون الميدانيون — العمود الفقري لهذه الحملات — على وعود معلّقة، وأحيانًا على مبالغ جزئية فقط.
اختلالات متقاطعة في إدارة التمويل
ثمة شبهة تلاعب مالي واضحة. ففي حملة نُفّذت قبل عامين، لم يُسلّم للعاملين سوى ثلث المبلغ المخصص لهم. وعند الاستفسار، قيل إن اليونيسف أرسلت الأموال، لكن مندوب أحدى المحافظات تأخر في استلامها، ثم أُغلق البنك الذي كانت الحوالات مودعة فيه. ورغم أن البنك المركزي يفترض أن يكون الضامن الأخير لودائع المواطنين، لم يُسترد المبلغ المفقود.
كما تظهر آليات التحويل المالي خللاً آخر: بعض المبالغ تُحوَّل بالدولار حين يكون مرتفعًا، ثم تُحوَّل لاحقًا إلى الريال اليمني وفق سعر منخفض، ما يقلّص القيمة الفعلية للمستحقات.
يوضح أحد العاملين:
«يُنتظر انخفاض الدولار ليُرسل المبلغ بالريال وفق سعر اليوم. نحن لا نفهم كيف يُسمّى هذا تأخيرًا».
مصادر ميدانية تشير إلى أن وزارة الصحة ومنظمة اليونيسف تتبادلان المسؤولية دون تقديم توضيحات شفافة، ما يخلق فراغًا في المساءلة ويُضعف الثقة في آلية التمويل.
انهيار الثقة في الميدان
تراكم هذه الممارسات أثّر على معنويات العاملين الميدانيين، الذين بدأ بعضهم يرفض المشاركة في الحملات. في بعض المديريات، اضطرت المراكز الصحية إلى استقدام شباب غير مؤهلين طبيًّا لتعويض النقص.
ويروي عامل صحي أن هذا التحوّل أثار استفسارات واسعة بين السكان:
«بات سؤالٌ يتردد في البيوت: لماذا لا يشارك العمال الصحيون؟ أليس في اللقاح شيء؟»
هذا الاستفسار، وإن بدا بسيطًا، يعكس تآكل الثقة في جوهر الحملة، وأضعف مع مرور الوقت جهود التثقيف الصحي التي بُذلت لسنوات، رغم حرص فرق التوعية على توصيل المعلومات الصحيحة حول فوائد اللقاح.
الأرقام تتحدث: المرض يعود
الأزمة المالية وانعدام الثقة تركا أثرًا ملموسًا على الوضع الصحي. فقد سجّل تقرير حديث ظهور 451 حالة إصابة بشلل الأطفال في اليمن — رقم كارثي في بلد كان على أعتاب القضاء على المرض.
يقول مسؤول سابق في قطاع التحصين:
«حين يشعر العامل الصحي أنه ضحية اختلال مالي منهجي، يفقد الحماس للعمل. وحين يفقد المواطن الثقة بالعامل، تنهار السلسلة كلها».
ردود الجهات الرسمية
منظمة اليونيسف لا تنفي تأخر التحويلات، لكنها تلقي اللوم على «تعقيدات لوجستية ومالية في البيئة التشغيلية». من جهتها، تكتفي وزارة الصحة بإصدار بيانات عامة عن «الالتزام الكامل بدعم العاملين»، دون شرح سبب اختفاء مبالغ مالية مخصصة للرواتب أو تقديم جدول زمني واضح لصرفها.
مصادر ميدانية تصف الوضع بأنه «تواطؤ صامت»، حيث ترفع اليونيسف تقارير نجاح شكلية، بينما تغطي الوزارة العجز بالتصريحات العامة.
تداعيات اجتماعية متراكمة
تأخر الرواتب وانعدام الشفافية أثّرا مباشرة على المجتمع المحلي:
قلّت المشاركة في الحملات، ما أدى إلى ضعف التغطية الصحية.
ارتفع مستوى الشكوك لدى الأهالي تجاه اللقاحات.
تراجعت الثقة العامة في المنظمات الدولية العاملة في اليمن.
يقول مصدر صحي مطلع:
«الانهيار ليس مفاجئًا. إذا حُرم من يقف في الخطوط الأمامية من أبسط حقوقه، يصبح النظام كله هشًّا».
خاتمة
اللقاح فعّال علميًّا، لكن الاختلالات المؤسسية تهدد حياة الأطفال قبل وصوله إليهم. إصلاح هذا الواقع يتطلب إعادة بناء آليات الشفافية والمساءلة داخل وزارة الصحة والمنظمات الشريكة، لضمان حقوق العاملين الميدانيين واستعادة ثقة المجتمع. ومن دون معالجة هذه الثغرات، يبقى احتمال تفشي أمراض يمكن الوقاية منها قائمًا.
تحرير:
هشام صويلح