ماهر العبادي ومقاله “الحملات الإعلامية الموجَّهة.. بين صناعة الوهم وصلابة الحقيقة”

بقلم / ماهر العبادي ابو رحيل
في فضاء الإعلام المعاصر، لم يعد الخبر مجرد ناقل للواقع، بل صار سلاحاً تُشن به الحروب وتُدار عبره المعارك ولعلّ أوضح مثال على ذلك ما يتعرض له المجلس الانتقالي الجنوبي من حملات إعلامية متواصلة، تتفاوت في أدواتها وأشكالها، لكنها تتوحّد في غايتها تشويه الصورة، وتقويض الثقة، وزرع الشكوك في الوعي الجمعي الجنوبي.
هذه الحملات لا يمكن قراءتها بمعزل عن سياقها، فهي تعكس صراع الإرادات بين مشروع وطني جنوبي يسعى لتثبيت حضوره، وبين قوى اعتادت أن تُخضع الجنوب لصراعاتها ومصالحها.
وحين يعجز الخصوم عن مواجهة الواقع على الأرض، يلجؤون إلى ميدان الإعلام، فيحوّلونه إلى ساحة افتراضية تُصاغ فيها الأكاذيب وتُزيَّن فيها الأباطيل.
من اللافت أن هذه الحملات تتحرك في دورات متكررة فكلما سجّل المجلس الانتقالي إنجازاً سياسياً أو حقق حضوراً لافتاً على الساحة الإقليمية والدولية، ارتفعت موجة من التقارير والاتهامات، لتعيد نفس الرواية المكرورة، مرة بالارتهان للخارج، ومرة بالتفرد والانعزال، وأخرى بالفشل والعجز لكن هذه التناقضات، في جوهرها، تفضح نفسها قبل أن تنال من خصمها، وتكشف هشاشة البناء الذي تقوم عليه.
الإعلام ليس مجرد وسيلة اتصال، بل هو أداة ثقافية بامتياز، تُعاد من خلاله صياغة الوعي وتشكيل الرأي العام. وحين يُسخَّر الإعلام ليكون أداة تشويه، فإنه يعبث بواحدة من أنبل وظائف الثقافة وظيفة نقل الحقيقة.
لذلك فإن الحملات الإعلامية الموجَّهة ليست فقط استهدافاً سياسياً، بل هي في عمقها محاولة لطمس هوية الجنوب وحرمانه من التعبير عن ذاته وحقه المشروع في تقرير مصيره.
غير أن هذه الحملات، مهما بلغت براعتها في حبك السرديات، تظل عاجزة أمام وعي الشعوب.
فالشعوب التي خبرت مرارة التزييف والتضليل، تدرك اليوم أن الحقيقة لا تُؤخذ من شاشة ولا من عنوان عابر، بل من التجربة الملموسة والواقع المعاش والجنوبيون، الذين عايشوا سنوات طويلة من التهميش والخذلان، يعرفون جيداً أن المجلس الانتقالي لم يهبط من سماء السياسة، بل خرج من عمق الشارع ومن تضحيات لا تزال حاضرة في ذاكرة الأجيال.
والتاريخ، في جوهره، لا يرحم المزوِّرين قد تنجح الحملات الإعلامية في خلق ضجيج مؤقت، وقد تتمكن من تشويش المشهد لبعض الوقت، لكنها لا تستطيع أن تصمد أمام تراكم الحقائق والحقيقة أن الجنوب اليوم يمتلك مشروعاً سياسياً واضح الملامح، وقيادة حاضرة على الأرض، وإرادة شعبية عصيّة على الانكسار.
ولعل المفارقة أن هذه الحملات الإعلامية، بدل أن تحقق هدفها في إضعاف المجلس الانتقالي، أسهمت في تعريه خصومه وكشف أجنداتهم فهي تعكس، من حيث لا يريد أصحابها، حجم القلق الذي يثيره صعود الجنوب في معادلة الإقليم.
إن ما يُشن ضد المجلس الانتقالي إعلامياً، ليس مجرد معركة أخبار وتقارير، بل هو اختبار ثقافي لوعي الجنوبيين وقدرتهم على التمييز بين الزيف والحقيقة وفي النهاية، تبقى الحقيقة مهما حوصرت كالنور، لا تُطفئه حملات الظلام، ولا تحجبه جدران الوهم فالمشاريع السياسية قد تُحاصر، لكن القضايا العادلة لا تموت، لأنها تُروى من دماء أصحابها وتُحرس بذاكرة الشعوب.