من جزيرة إلى أخرى: أسرار التماثيل العملاقة التي ربطت بولينيزيا القديمة

النقابي الحنوبي – متابعات
في دراسة جديدة نُشرت في مجلة “أنتيكويتي”، كشف فريق من علماء الآثار من السويد عن معلومات مثيرة تعيد رسم الصورة التقليدية لتماثيل “المواي” الشهيرة بجزيرة الفصح، والتي طالما اعتُبرت معزولة وفريدة في العالم. وتوضح الدراسة أن هذه التماثيل ليست حكرًا على جزيرة الفصح فحسب، بل إنها منتشرة في معظم جزر منطقة بولينيزيا، التي تضم أكثر من ألف جزيرة مترامية الأطراف في قلب المحيط الهادئ.
وأشار الباحثون إلى أن هذه التماثيل العملاقة كانت تُستخدم في طقوس دينية جماعية، وأنها ترمز إلى مفاهيم السلطة والقيادة والروابط الاجتماعية. وقال البروفيسور بول والين من جامعة أوبسالا السويدية: “المواقع المقدسة التي تُعرف بـ(آهو) في جزيرة الفصح أو (ماراي) في جزر بولينيزيا الأخرى، تظهر مدى تشابه هذه الثقافات في بنيتها الاجتماعية والروحية، رغم المسافات الشاسعة التي تفصل بينها”.
وأكدت الدراسة أن النموذج الأصلي لهذه التماثيل نشأ في جزيرة الفصح، لكنه سرعان ما انتقل إلى الجزر الأخرى، مدعومًا بشبكات تواصل نشطة بين المجتمعات البولنيزية، ما يدل على وجود تفاعلات ثقافية ديناميكية وتبادل مستمر للأفكار من الشرق إلى الغرب وبالعكس.
وما يُعد مفاجأة في هذه الدراسة هو نفيها للاعتقاد السائد بأن جزيرة الفصح كانت معزولة بعد أول استيطان لها، إذ تبيّن أنها شهدت موجات هجرة متكررة وتبادلات سكانية مستمرة، وهو ما يعزز فرضية أن سكانها كانوا جزءًا من شبكة إقليمية واسعة تمتد على طول المحيط الهادئ.
لكن لحظة التحول الجذري جاءت في القرن الثامن عشر، مع وصول المستكشفين الأوروبيين إلى الجزيرة. حينها بدأت حقبة جديدة من الاضطرابات، حيث تراجع عدد السكان بشكل مأساوي بسبب الصراعات العنيفة وتجارة العبيد، ما أدى إلى تدهور المجتمعات الأصلية وانهيار البنى التقليدية.
ورغم هذه النكسة التاريخية، تظل جزيرة الفصح اليوم رمزًا للتراث الإنساني العالمي، مدرجة على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، وتستقطب اهتمام الباحثين وعشاق التاريخ من مختلف أنحاء العالم.
الدلالة الأعمق؟
أن تماثيل “المواي” ليست فقط شواهد حجرية صامتة، بل رسائل مشفّرة من حضارة بحرية عظيمة، كانت قادرة على الإبحار، التفاعل، والابتكار في واحدة من أعقد شبكات الجزر في العالم.