إنفلونزا الطيور تتوسع عالميًا وسط تحذيرات من خطر وباء بشري

يشكّل فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 تهديدًا متزايدًا للبشرية بعد أن انتشر في آلاف المزارع حول العالم، مثيرًا مخاوف العلماء من اقتراب تحوله إلى وباء عالمي. فقد رُصدت حالات إصابة في كل قارة باستثناء أستراليا، بما في ذلك طيور البطريق في القطب الجنوبي، والإبل في الشرق الأوسط، والأبقار في الولايات المتحدة.
ويؤكد باحثون في علم الأوبئة أن الولايات المتحدة قد تكون اجتازت بالفعل “نقطة التحول” نحو الجائحة، لكن ضعف أنظمة المراقبة قد يمنع اكتشاف ذلك في الوقت المناسب. ووفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية، فقد أصيب أكثر من 1000 قطيع من الأبقار، وتم رصد الفيروس في الطيور البرية والثدييات في جميع الولايات الأمريكية.
ورغم أن عدد الإصابات البشرية المؤكدة بلغ نحو 70 حالة، مع تسجيل وفاة واحدة، إلا أن العلماء يرون أن الأمر أخطر مما تشير إليه هذه الأرقام. وتقول الدكتورة كايتلين ريفرز، الأستاذة في كلية جونز هوبكنز، إن إدارتي ترامب وبايدن فشلتا في اتخاذ خطوات حاسمة، كتنسيق إجراءات نقل المواشي عبر الولايات، مما سمح للفيروس بالانتشار.
وتضيف ريفرز: “كان هناك اعتقاد خاطئ بأن إنفلونزا الطيور ستتلاشى، أما الآن فقد أصبح من الواضح أنها مشكلة مستمرة تحتاج إلى استجابة منهجية”. وتشدد على أن “أولوية المرحلة المقبلة هي الاكتشاف المبكر لحالات العدوى البشرية وفهم مسار تطورها”.
من جانبه، حذر الدكتور كامران خان من جامعة تورنتو من أن التفشي الحالي بين الثدييات قد يكون مجرد بداية لوباء بشري، إذا استمر الفيروس في التطور والانتقال إلى أنواع مختلفة من الحيوانات. وقال: “فيروس H5N1 أظهر في السابق خطورته على البشر، وهو الآن ينتقل عبر الحيوانات بوتيرة سريعة ومقلقة”.
ويزيد القلق العالمي مع تسجيل منظمة الصحة العالمية أكثر من 700 إصابة بشرية بالفيروس منذ عام 2003، معظمها في دول مثل إندونيسيا وفيتنام ومصر، مع انتشار ملحوظ في آسيا والأمريكيتين وأوروبا خلال الأشهر الأخيرة.
ويعزو الخبراء قلقهم إلى ثلاثة عوامل رئيسية: أولها العدد الهائل لأنواع الثدييات المصابة، والتي تجاوزت 70 نوعًا، مما يشير إلى قدرة الفيروس على تجاوز الحواجز بين الأنواع. وثانيها، انتشار العدوى في قطعان الأبقار التي تقترب يوميًا من البشر، مما يزيد احتمالات انتقال المرض. أما ثالثها، فيتمثل في حالة الارتباك داخل المؤسسات الصحية الأمريكية بعد التغيرات السياسية الأخيرة، وفصل خبراء الأمراض، مما أدى لتعليق برامج الكشف عن الفيروس، وزيادة مخاوف العمال المهاجرين من الفحص.
وفيما لم يُثبت بعد أن الفيروس قادر على الانتقال من إنسان إلى آخر، إلا أن ريفرز تشير إلى أن قفزاته النوعية “لم تعد تقتصر على انتقاله من البط إلى الحمام، بل تعداها إلى البشر والثدييات الأخرى، ما ينذر بخطر مستقبلي واضح”.
وفي مواجهة هذا التهديد، يظل سؤال اللقاح مطروحًا بإلحاح. ففي حين تلجأ بعض الدول مثل فرنسا إلى تطعيم طيورها، ما ساهم في خفض انتشار الفيروس، تتردد دول أخرى، بينها الولايات المتحدة، في اعتماد هذه الاستراتيجية خوفًا من تبعات اقتصادية على تصدير المنتجات الحيوانية.
ويقول الدكتور منير إقبال، من معهد بيربرايت البريطاني، إن تطعيم الحيوانات قد يحد من العدوى محليًا لكنه لا يمنع تمامًا انتقال الفيروس، حتى من الطيور المُلقحة. في المقابل، منحت وزارة الزراعة الأمريكية موافقة مشروطة على لقاح محدث للدواجن، في تحول ملحوظ في سياسة البلاد.
أما على مستوى الوقاية البشرية، فقد خزّنت الحكومات ملايين الجرعات من لقاحات إنفلونزا الطيور، لكن استخدامها يقتصر حاليًا على العاملين في البيئات عالية الخطورة. ويشير الدكتور خان إلى أنه في حال تحول الفيروس إلى جائحة بشرية، فإن تلك المخزونات قد تستخدم كأساس لإنتاج لقاح محدث، يُصنّع على نطاق واسع.
ورغم تلك الجهود، تبقى قدرة العالم على الاستجابة لأي تحوّل كبير محدودة، خاصة مع دخول موسم الهجرة الربيعية، الذي قد ينقل الفيروس عبر الحدود والدول بوتيرة أسرع. وختامًا، يحذر الخبراء من أن تجاهل المؤشرات المبكرة لطبيعة هذا الفيروس المتطورة قد يُكرّر دروسًا مؤلمة من أوبئة سابقة، خصوصًا إذا استمر H5N1 في التكيف مع مضيفيه من الحيوانات وصولًا إلى البشر.