الجنوب لا يُهزم بالشاشات

النقابي الجنوبي / هشام صويلح
في زمن تتقاطع فيه المعلومة مع الدعاية، وتختلط الحقيقة بضجيج الشاشات، يجد الجنوب نفسه أمام معركة إعلامية متصاعدة لا تقل خطورة عن المعارك السياسية والعسكرية. إنها حرب ناعمة تُدار على الوعي، هدفها التشويش على مشروع الجنوب واستهداف ثقته بنفسه ومؤسساته.
الكذبة كأداة ممنهجة
تعمل قنوات مثل بلقيس وسهيل ويمن شباب والمهرية ضمن منظومة دعائية متكاملة، حيث لا تأتي الأكاذيب صدفة، بل كجزء من خطة تستهدف ضرب ثقة المواطن بقيادته الشرعية وقواته الأمنية. تتبدل الصور والمقاطع، تُعاد صياغة الأخبار القديمة، ويُقدَّم التحريض في ثوب “الرأي العام”، بينما الغاية هي زعزعة الجبهة الداخلية للجنوب.
يقول أحد الإعلاميين الجنوبيين المتخصصين في رصد المحتوى المضلل: “ليست هناك عفوية في ما يُبث. كل تقرير موجّه، وكل تعليق محسوب بدقة، الهدف هو إرباك المتلقي وتشويه الإدراك الجمعي.”
هذا النهج لا يقتصر على التحريف، بل يتغذى على المعاناة الإنسانية، عبر توظيف الأزمات الخدمية أو الكوارث الطبيعية كأدوات لتأليب الناس على قيادتهم، وكأن ما يعانيه الجنوب وليد سياساته لا حصيلة عقود من الإهمال والتدمير المتعمد.
تخادم إعلامي مكشوف
يلاحظ المتابع للمشهد تقاطعًا واضحًا بين خطاب تلك القنوات الإخوانية وخطاب إعلام الحوثيين، رغم التناقض الظاهري بين المشروعين. كلاهما يستهدف الجنوب، وكلاهما ينفي شرعية مؤسساته، وكلاهما يصف قيادته بالعمالة. إنه تخادم استراتيجي يخدم غاية واحدة: إبقاء الجنوب ضعيفًا، متنازعًا، فاقدًا لثقة العالم بنفسه.
يقول محلل سياسي جنوبي:
“الخصم لا يعنيه من يطلق النار، بقدر ما يعنيه أن تُصاب فكرة الجنوب. ولهذا تتوحد رسائل الكراهية رغم اختلاف مصادرها.”
الإعلام الجنوبي.. المهنية كدرع وطني
في المقابل، تحاول المؤسسات الإعلامية الجنوبية الناشئة أن تبني نموذجًا مغايرًا قائمًا على المهنية والانضباط الأخلاقي. فهي لا تنكر النقد، لكنها ترفض التلفيق، ولا تساوم على الحقيقة تحت ضغط الحملات المنظمة.
الإعلام الوطني يدرك أن معركته ليست في نقل الأخبار فحسب، بل في إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته.
ويؤكد أحد المسؤولين الإعلاميين الجنوبيين:
“نحن لا نطلب من الجمهور أن يصدقنا لمجرد أننا جنوبيون، بل لأننا نقدّم الحقيقة مدعّمة بالوقائع.”
نحو استراتيجية إعلامية وطنية
الردود الفردية والجهود المحدودة لم تعد كافية. ثمة حاجة إلى استراتيجية إعلامية وطنية موحدة تقوم على:
دعم الإعلام المهني الوطني وتحصينه مؤسسيًا، تطوير الكادر الإعلامي بالتدريب والتأهيل، وتفعيل الرقابة الذاتية لحماية مصداقية الخطاب الجنوبي.
فالمعركة اليوم ليست ضد قناة أو جهة بعينها، بل ضد منظومة تضليل تسعى لتشويه مسار الجنوب من الداخل.
خاتمة
إن الجنوب الذي انتصر على القوة المسلحة بقوة الإرادة، لن تهزمه الشاشات. فوعي المواطن الجنوبي، المتكوّن من تجربة طويلة في مقاومة التزييف، أصبح خط الدفاع الأول عن الحقيقة.
وفي زمن التضليل الكثيف، تظل المهنية هي السلاح النبيل، والوعي هو الضمانة الأخيرة لبقاء المشروع الوطني في مساره الصحيح.