هاكم 75 ميجا… بثمن بخس

ثروت جيزاني
يتعذب المواطن في عدن والمناطق التابعة لها فنيًا وإنسانيًا بسبب الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي التي قد تصل إلى 18 ساعة مقابل ساعتين تشغيل فقط، مخلفةً وراءها حالة من الغضب العام والإرهاق الشديد. وبحسب متابعة بسيطة، فإن التيار الكهربائي خلال 36 ساعة قبل وبعد الفصل لا يعمل سوى ساعتين فقط، في مشهد يعكس مدى الانهيار الذي تعيشه العاصمة عدن.
تعتمد المدينة حاليًا على توربين وحيد في محطة الرئيس (عدن الجديدة) بقدرة لا تتجاوز 65 ميجا لتغطية أحمال تلامس 650 ميجا، في حين تتضرر محافظتا لحج والضالع من الوضع ذاته، وها هي الحبيبة لحج تعيش في ظلامٍ دامس منذ أيام.
السبب الرئيس وراء هذه الأزمة هو عدم توفر الوقود لمحطات التوليد، ما أدى إلى خروج المنظومة الكهربائية بالكامل تقريبًا، والتي تعمل بوقود المازوت والديزل، عن الخدمة. ومع غياب أي حلول أو تحركات جادة، تعيش عدن اليوم أسوأ فصول الانقطاع في تاريخها، في ظل عجزٍ رسمي وغيابٍ كامل للمساءلة.
وقود المازوت يُعد الأرخص قيمة بين أنواع الوقود، إذ لا يتجاوز سعر اللتر الواحد 588 ريالًا يمنيًا، أي أن الطن المتري يقدّر بنحو 600,000 ريال فقط. وإذا قررت الحكومة شراء 50,000 طن متري من المازوت، فلن تتجاوز الكلفة 20 مليون دولار أميركي، وهي كلفة زهيدة مقارنة بوقود النفط الخام أو الديزل، لكنها كفيلة بتشغيل المحطات واستقرار الشبكة لمدة تتجاوز الشهر إن لم بك أكثر .
لقد تمكن فنيّوا محطة الحسوة (محطة الفقيد طرموم) من إعادة تشغيل التوربين رقم 5 بعد توقف دام أكثر من ثمانية أشهر بسبب نفاد الوقود، ليضيف إلى الشبكة الوطنية 25 ميجاوات دفعة واحدة. ومع هذه الخطوة الفنية الشجاعة، استقر التوليد وانخفضت ساعات الانقطاع إلى نحو خمس ساعات ونصف فقط، وهو ما يثبت أن الحلول ممكنة متى ما توفّر الوقود والدعم.
في المقابل، ما تزال محطة ورسيلا 2 في المنصورة متوقفة ، بقدرة إنتاجية تصل إلى 48 ميجاوات ، بسبب نفاد المازوت، ما أفقد الشبكة طاقة كبيرة وأدى إلى زيادة فترات الانقطاع إلى أكثر من 18/16 ساعة في اليوم الواحد.
وفي حالة تشغيل محطتي الحسوة والمنصورة (ورسيلا 2) إلى جانب محطة الرئيس والمحطة الشمسية نهارًا، سنلمس استقرارًا ملحوظًا في الشبكة الوطنية، لاسيما أن الأحمال بدأت بالتناقص مع دخول فصل الشتاء، الأمر الذي يجعل تحقيق التوازن الكهربائي ممكنًا وميسورًا إذا ما تم اتخاذ القرار المسؤول في الوقت المناسب.
ولذلك يتساءل المواطنون: ,لمصلحة من أن نخسر محطة الحسوة؟
فتوقفها لا يعني فقط فقدان جزء من الطاقة، بل يهدد المنظومة الفنية كلها، خصوصًا وأنها تعتمد على مضخات بحرية ومقطرات فرنسية لإنتاج البخار، أُعيد تشغيلها مؤخرًا بعد توقف طويل.
اليوم، لم يعد الصمت مقبولًا، ولم تعد المبررات تُقنع أحدًا. ما الذي يمنع من توفير وقود المازوت لمحطات جاهزة للعمل؟ ما الذي يمنع من إنقاذ منظومة الكهرباء قبل أن تنهار كليًا؟ الكلفة معروفة، والأرقام واضحة، لكن العجز ليس ماليًا، بل هو عجز في الإرادة وغياب للمسؤولية.
من يتحمل مسؤولية هذا الانهيار؟ ومن يبرر صمت الجهات المعنية عن أزمة تمس حياة المواطن في كل تفاصيلها؟
الكهرباء ليست ترفًا، بل شريان الحياة لكل القطاعات: من المستشفيات إلى محطات المياه والمدارس والمنازل. وغيابها لم يعد مجرد انقطاع مؤقت، بل انهيار شامل للمنظومة المجتمعية والاقتصادية في عدن ومحيطها.
إن تجاهل هذا الوضع جريمة في حق الوطن والمواطن، والتاريخ لن يرحم من ترك عدن ولحج والضالع تغرق في العتمة بينما الحلول ممكنة (وبكلفة بخسة) . كل ساعة تأخير وكل يوم انقطاع يزيد من وجع الناس، ويقرب المدينة أكثر من حافة الانفجار الاجتماعي.
رسالة إلى أصحاب القرار:
ما يحدث اليوم ليس قضاءً وقدرًا، بل نتيجة مباشرة لتقصير واضح وإهمال متعمّد.
محطات الحسوة وورسيلا وغيرها من المرافق يمكن أن تعود للعمل خلال أيام إن توفّر الوقود، وإن توفّرت النية الصادقة لمعالجة المشكلة من جذورها، لا عبر الوعود المؤقتة أو المسكنات الإعلامية.
لقد آن الأوان لتحمل المسؤولية،
ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تصبح الكهرباء في عدن ذكرى مؤلمة، والمواطن رهينة للعتمة والحرمان.
ثروت جيزاني
19 اكتوبر2025م