النقد البنّاء بين الحق والواجب الوطني

كتب / عامر الحريري
في زمن تتقاطع فيه التحديات وتشتد فيه العواصف، لا يكون النقد البنّاء ترفاً فكرياً ولا رفاهية في القول، بل يصبح مسؤولية أخلاقية ووطنية، ومرآة صادقة تُظهر العيوب بقدر ما تكشف مواطن القوة. ومن لا يملك شجاعة النقد، يفتقد القدرة على البناء، ومن يحوّل النقد إلى خصومة، يهدر القيمة النبيلة التي صيغت من أجلها هذه الأداة الحضارية.
من حق كل جنوبي أن يمارس حقه الطبيعي في إبداء الرأي والنقد البنّاء لسياسات المجلس الانتقالي أو غيره من القوى الوطنية، فهذا الحق لا يُمنح بل هو حق مشروع لكل من يملك وعياً وطنياً ناضجاً وحرصاً صادقاً على الوطن ومشروعه الوطني.
ويُعدّ النقد البنّاء أحد أعمدة الوعي الجمعي وضمانة حقيقية لتصويب المسار. فالنقد، في جوهره، ليس خصومة شخصية ولا معركة لتصفية الحسابات، بل هو أداة حضارية تُسهم في مراجعة التجارب وتصحيح الأخطاء وفتح آفاق جديدة أمام مشروعنا الوطني الجنوبي.
إن ممارسة النقد تكتسب قيمتها حين ترتقي إلى مستوى المسؤولية، فتعكس إدراكاً عميقاً بتعقيدات المرحلة وتحدياتها، وتبتعد عن الانفعال والاندفاع خلف الأهواء أو المواقف المسبقة. إننا بحاجة إلى نقد يلامس لبّ المشكلة، يناقش الأفكار والسياسات بموضوعية، ويضع على الطاولة مقترحات ومعالجات تعزز صمودنا وتحصّن مسيرتنا.
أما حين يتحوّل النقد إلى تجريح، أو يتدثر بعباءة الشخصنة والعداء المسبق، فإنه لا يُنتج وعياً ولا يفتح أفقاً، بل يتحول إلى معول هدم يُضعف الصف، ويشوّه قدسية الرسالة التي من أجلها يُمارس النقد. فالنقد الذي يفتقر إلى الموضوعية إنما يُفقد صاحبه المصداقية، ويُفرغ الفكرة من مضمونها، ويمنح خصوم المشروع الوطني فرصة للنيل منه.
وعليه، فإننا مدعوون جميعاً إلى ترسيخ ثقافة النقد المسؤول: نقد ينطلق من الحرص لا من الخصومة، من الرغبة في البناء لا في الهدم، ومن الإيمان بأن الجنوب أكبر من الأشخاص والمواقف، وأن مشروعه الوطني لن يتسع إلا بعقول تُحسن النقد بقدر ما تُحسن الإبداع في الحلول.