اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

روبوتات الدردشة تجذب الملايين بحثًا عن دعم نفسي سريع

النقابي الجنوبي/خاص

في عالم يتسارع فيه كل شيء، يقضي كثير من الناس ما يصل إلى ثلاث ساعات يوميًا في التحدث مع روبوتات دردشة مدعومة بالذكاء الاصطناعي. يرسل هؤلاء مئات الرسائل يوميًا، يناقشون فيها همومهم الشخصية مثل القلق، تدني احترام الذات، ومشاكل العلاقات، ويجدون في الردود الآلية عزاءً مدهشًا لا ينام.

يقول عدد متزايد من المستخدمين إن هذه الروبوتات ساعدتهم على تجاوز مراحل صعبة، بل ووفرت لهم استراتيجيات للتكيف والدعم، والأهم: حضور دائم بلا انقطاع.

لكن وراء هذا التفاعل الإنساني المصطنع تكمن تحذيرات جدية. فوفقًا لما أفاد به خبراء في الصحة النفسية والتقنية، فإن الاعتماد المتزايد على روبوتات الدردشة قد ينطوي على مخاطر، تبدأ من نصائح غير دقيقة، وتصل إلى إمكانية تفاقم الأوضاع النفسية بدلًا من معالجتها، في ظل غياب رقابة أو إشراف بشري مباشر.

ورغم اعتراف المستخدمين بأن روبوتات الدردشة ليست بديلاً عن مختصين، إلا أن كثيرين يتعاملون معها كما لو كانت كيانًا واعيًا حقيقيًا. هذا الميل للارتباط العاطفي مع “مساعد آلي” يفتح الباب أمام مشاكل معقدة، خاصة عندما تُقدِّم هذه الروبوتات نصائح قد تكون ضارة أو محفوفة بالتحيّز.

ففي بعض الحالات القصوى، وُجهت اتهامات لروبوتات دردشة بتقديم استشارات ساهمت في تفاقم الحالة النفسية لبعض المستخدمين. ورغم ذلك، يظل الطلب على هذا النوع من الدعم الرقمي في تصاعد، مدفوعًا بتكاليف العلاج النفسي المرتفعة وقوائم الانتظار الطويلة للحصول على خدمات الصحة النفسية.

ومع ازدهار الذكاء الاصطناعي، باتت هذه الروبوتات تُدرّب على كميات ضخمة من البيانات، بداية من المقالات وكتب المساعدة الذاتية وصولًا إلى منشورات المدونات، مما يجعلها قادرة على توليد نصوص وتفاعلات تحاكي الحديث البشري. بعضها يتقن أساليب العلاج السلوكي المعرفي، ويساعد المستخدم على إعادة هيكلة أفكاره. إلا أن هذه القدرة تظل محدودة أمام التقدير البشري الذي يعتمد على تعابير الوجه، ونبرة الصوت، ولغة الجسد – وهي أبعاد لا تزال الروبوتات عاجزة عن تفسيرها أو قراءتها بدقة.

ورغم قدرتها على “التكيف” مع تفضيلات المستخدم، إلا أن هذه الروبوتات، في جوهرها، تبقى “معالجًا عديم الخبرة” يعتمد فقط على النص، بلا سياق عاطفي أو فهم كامل للمحيط النفسي للشخص. والأسوأ من ذلك، أن بعض نماذج الدردشة قد تتعامل مع أي محتوى يُقدمه المستخدم – حتى ولو كان مضرًا – بطريقة ترضيه دون مساءلة، وهي ما يُطلق عليه بعض الباحثين مصطلح “الموافقة التامة”.

كما أن تحيزات البيانات التي تُدرّب عليها هذه النماذج يمكن أن تتسلل إلى نصائحها، مما قد يؤدي إلى استجابات غير ملائمة أو حتى خطيرة. وهنا تتبدى الفجوة بين الذكاء الاصطناعي والدعم النفسي البشري الحقيقي، فبينما تُظهر الروبوتات قدرة لغوية مبهرة، تفتقر إلى الخبرة السريرية، والإدراك الأخلاقي، والوعي بالمخاطر النفسية المحتملة.

ومع تزايد هذه الظاهرة عالميًا، تؤكد الشركات المطوِّرة لهذه الروبوتات أن منتجاتها ليست بدائل للاستشارات المهنية أو الطبية، وتُشدد على ضرورة التعامل معها كأدوات مساعدة لا أكثر. غير أن الواقع يقول شيئًا آخر، حيث باتت روبوتات الدردشة اليوم “مستشارًا رقميًا” دائم التواجد في جيوب المستخدمين، في زمن تتراجع فيه خدمات الرعاية النفسية التقليدية أمام تعقيدات الحياة الحديثة.

خاتمة:
وبين الأمل في حلول تقنية جديدة، والخوف من تداعيات غير محسوبة، تبقى الحاجة قائمة لإيجاد توازن صحي بين ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي وبين ما لا يمكن أن يُعوّضه إلا الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى