اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

خبراء: حساسية الضوضاء مشكلة صحية حقيقية وليست مجرد “تذمر”

 

النقابي الجنوبي – متابعات

 

رغم تجاهلها لفترة طويلة من قبل الأطباء والاختصاصيين، تؤكد دراسات حديثة أن “حساسية الضوضاء” ليست مجرد انزعاج نفسي عابر أو صفة مزاجية، بل حالة ذات جذور بيولوجية واضحة قد تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والجسدية للإنسان على المدى الطويل.

ورغم وجود عزل صوتي جيد في كثير من المباني الحديثة، إلا أن الضجيج الخفيف – سواء كان صوت تعليق صور، أو طنين مكنسة كهربائية، أو نباح كلب – قد يتحول إلى مثير قوي للتوتر والقلق لدى فئة من الناس، ممن يملكون حساسية مفرطة تجاه الأصوات المحيطة.

ويقول الباحث في علم الأعصاب، (دانييل شيبرد) من جامعة أوكلاند للتكنولوجيا في نيوزيلندا:

“دائماً ما كنت أعتقد أن هذه المشكلة ليست ذات أهمية تُذكر. لكننا نعرف اليوم أن لها تأثيرات ملموسة، وعلينا أن نبدأ فعلاً بأخذها على محمل الجد”.

وبحسب ما توصل إليه (شيبرد)، بالتعاون مع عالمة الأعصاب إلفيرا براتيكو من جامعة آرهوس في الدنمارك، فإن أدمغة الأشخاص الحساسين للضوضاء تعاني من خلل في تصفية الأصوات غير المهمة. وقد أظهرت فحوصاتهم وجود قصور في أداء الخلايا العصبية داخل “النواة الركبية الإنسية”، المسؤولة عن معالجة المعلومات السمعية، مما يجعل هؤلاء الأفراد أكثر عرضة للانزعاج حتى من الأصوات البسيطة التي لا تزعج الآخرين.

وتتفاقم هذه الحالة أثناء النوم، إذ أظهرت دراسات أن من يعانون من حساسية الضوضاء يفتقرون إلى نمط معين من النشاط الكهربائي الدماغي يُعرف بـ”المغازل”، وهو ضروري لتجاوز تأثير الأصوات المحيطة.

ويبدو أن العوامل الوراثية تلعب دوراً رئيسياً، حيث أظهرت دراسة فنلندية على التوائم أن هذه الحالة قد تكون موروثة. ومع ذلك، فإن العيش في بيئات صاخبة قد يؤدي إلى تطور هذه الحساسية مع مرور الوقت.

ويُعد الأشخاص المصابون بالقلق أو الفصام أو طيف التوحد أكثر عرضة للإصابة بحساسية الضوضاء، كما قد تظهر لدى البعض بعد إصابات دماغية مؤلمة، حسب ما أفاد به الباحث (ريتشارد ستانسفيلد)، الذي أشار إلى أن “القدرة على التكيف مع الضوضاء لدى هؤلاء الأشخاص تكاد تكون معدومة مقارنةً بغيرهم”.

وفيما لا تزال الحلول الطبية محدودة، يرى الباحثون أن التغيير العمراني قد يكون جزءًا من الحل. إذ يمكن لمهندسي المدن اعتماد تدابير تقلل من الضجيج مثل:

– استخدام مواد أسفلتية مطاطية على الطرق

– إنشاء ساحات داخلية هادئة في المجمعات السكنية

– تعزيز شبكات الدراجات

– وتحديد مناطق “صمت” في الحدائق والمناطق الطبيعية

 

وقد بدأت مدن أوروبية مثل بروكسل وباريس بالفعل بتطبيق هذه السياسات، في خطوة تُظهر أن الضجيج لم يعد مجرد إزعاج… بل قضية صحية تستحق المعالجة.

زر الذهاب إلى الأعلى