الشرعية المُخترقة.. كيف تحوّلت مؤسسات الشرعية إلى أدوات للتمكين الحوثي؟

النقابي الجنوبي/خاص
في وقت يواصل فيه الجنوب معركته المفتوحة ضد التمدد الحوثي، برزت مؤشرات خطيرة على اختراق الشرعية من الداخل، تُدار تحت غطاء مؤسسات الدولة، وبأدوات تتخفّى خلف المسميات الرسمية، وفي مقدمتها اسم واحد يتكرر في كل الملفات المثيرة للقلق: اللواء عزيز حمود ناشر، القائم بأعمال الأمين العام لمجلس الوزراء.
مصادر أمنية وتحقيقات موثقة كشفت أن ناشر لا يكتفي بتبني خطاب إعلامي يبرّر الحوثيين ويهاجم الجنوب، بل يُتهم باستخدام موقعه الرسمي في رئاسة الوزراء كمنصة لتسهيل أنشطة مشبوهة، تبدأ بصرف مرتبات لمتهمين بالتخابر، وتنتهي بتكوين شبكة نفوذ مالية وإدارية تتقاطع مصالحها مع مراكز النفوذ في صعدة.
من الدفاع العلني إلى التمكين الخفي
أثارت تصريحات ناشر الأخيرة جدلًا واسعًا، بعد مطالبته بالإفراج عن القيادي الحوثي الشيخ محمد الزايدي، الذي أوقفته السلطات في المهرة أثناء عبوره من سلطنة عُمان. في منشور له على “فيسبوك”، وصف اعتقال الزايدي بأنه “عيب أسود” و”تصرف خطير”، مؤكدًا أن الشيخ “من كبار مشايخ خولان” دون الإشارة إلى كونه قياديًا حوثيًا بارزًا.
هذا الدفاع العلني لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق أن دافع ناشر عن جماعة الحوثي بوصفها “مكونًا وطنيًا” في تصريحات إعلامية متكررة، محمّلًا المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولية سقوط الجبهات، في مشهد يعكس ازدواجية خطيرة في الولاء والانتماء السياسي.
خلية حوثية في صلب الحكومة
وقائع أمنية موثقة أشارت إلى ضبط أحد موظفي رئاسة الوزراء – يُرمز إليه بـ(ح.م.م.أ) – بتهمة التخابر لصالح مليشيا الحوثي، حيث كان ينفذ مهام استخباراتية تشمل رصد تحركات مسؤولين جنوبيين وتسريب مستندات حكومية. عملية الضبط جرت بعد رصد استخباراتي دقيق من قوات الحزام الأمني في عدن، وأكدت وجود تواصل مباشر بين المتهم وقيادات حوثية عسكرية.
المفارقة أن هذا الموظف، وفقًا للوثائق، تلقّى دعمًا إداريًا من مكتب الأمانة العامة لرئاسة الوزراء، في الوقت الذي يتولى فيه عزيز ناشر منصب القائم بالأعمال.
وثائق تكشف التواطؤ المالي
أظهرت وثائق رسمية أن ناشر أصدر توجيهات لصرف مكافآت مالية لمتهمين بالتخابر، من بينهم القيادي علي النعيمي، رغم صدور قرار بإقالته وإحالته للتحقيق. المبالغ صُرفت تحت بند “إكرامية رمضانية”، باستخدام بند مخصصات إدارية بدلًا من بند الطوارئ، بما يشير إلى تنسيق داخلي متكامل لتمرير التسهيلات.
وفي المقابل، تم إسقاط مستحقات العشرات من الموظفين الجنوبيين دون مبرر قانوني، ما اعتبره موظفون داخل رئاسة الوزراء “عقابًا مناطقيًا” على خلفياتهم الجغرافية أو مواقفهم السياسية.
شبكة عائلية وممرات لتمويل مشبوه
التحقيقات كشفت عن دور شركة تُدعى “أرحب”، مسجلة باسم أحد أقارب ناشر، تُستخدم كغطاء لتسهيل تنقل عناصر مشبوهة، وإصدار عقود تشغيل وهمية. هذه الشركة، إضافة إلى شبكة مصالح إدارية ممتدة، تُعد جزءً من ما يُوصف بـ”نفوذ بني ناشر”، وهي العائلة التي ارتبط اسمها تاريخيًا بالولاء للقيادات العسكرية الزيدية، من حرب 1994 إلى حقبة الحوثيين.
شقيقه، محمد ناشر، يُعد من القيادات الحوثية الميدانية في عمران، ويُتهم باستخدام علاقاته لتجنيد المقاتلين وتنسيق العمليات لصالح صنعاء، بدعم إداري غير مباشر من عزيز داخل عدن.
جيش من ورق وتمويل بلا جبهات
أخطر ما كشفه التحقيق، هو وجود تشكيل عسكري وهمي يُعرف باسم اللواء 302 في مأرب، يديره عزيز ناشر شخصيًا. هذا اللواء، بحسب مصادر ميدانية، لا يمتلك مقرًا ولا يشارك في أي معركة، وتُستخدم كشوفاته فقط لتصريف المرتبات، التي تُمنح لعشرات الأفراد من أقارب ناشر، بعضهم لا يمتلك أي خلفية عسكرية.
وتفيد تقارير استخباراتية أن نسبة من تلك المرتبات تُستخدم لتمويل أنشطة داخل مناطق سيطرة الشرعية لصالح الحوثيين، في مشهد يُظهر كيف تحوّل المال العام إلى وقود لمشروع العدو.
تجاهل رسمي وصمت مريب
رغم كل ما كشفته الوثائق والتقارير، لم تُسجّل أي إجراءات عقابية بحق ناشر، ما يدفع مراقبين جنوبيين إلى التساؤل عن خلفيات هذا الصمت، وما إذا كانت جهات نافذة في صنعاء لا تزال تملك تأثيرًا فعليًا على قرارات الشرعية من داخل معاشيق.
وتقول مصادر أمنية إن السكوت عن هذه الاختراقات يعني السماح للحوثي بإعادة اجتياح الجنوب لا عبر الدبابة، بل عبر القرار والتوقيع والتعيين.
معركة الجنوب داخل المؤسسات
ما تكشفه هذه الوقائع ليس شأنًا إداريًا أو تجاوزًا فرديًا، بل يمثل اختراقًا هيكليًا داخل المؤسسات، يهدد مستقبل الجنوب من الداخل أكثر من الجبهات الخارجية. وإذا كان الجنوبيون قد تمكنوا من حماية أرضهم، فإن حماية قرارهم ومؤسساتهم تتطلب اجتثاث هذا التمكين الناعم الذي يتسلل باسم الشرعية.
إن استمرار بقاء شخصيات مثل عزيز ناشر في موقع القرار، لا يهدد الجنوب فحسب، بل يُضعف الشرعية نفسها، ويفقدها ما تبقى من مشروعية سياسية وأخلاقية ويجعل مؤسساتها أداة في يد خصومها.