اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

إيران على قائمة الأعداء: تهديدات ناعمة تهز الأمن البريطاني

 

النقابي الجنوبي – متابعات

 

في تحذير هو الأقوى من نوعه، صنّفت لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني إيران كأحد أخطر التهديدات التي تواجه المملكة المتحدة، واضعة إياها في مرتبة موازية للخطر الروسي. تقرير اللجنة، الذي نُشر الخميس 10 يوليو 2025، لم يكتف بتوصيف المخاطر، بل قدّم حصيلة صادمة لمحاولات اغتيال وخطف نُسبت مباشرة إلى طهران، منذ عام 2022، واستهدفت معارضين إيرانيين يعيشون في بريطانيا.

 

محاولات اغتيال على الأراضي البريطانية

 

بحسب ما أوردته صحيفة الجارديان، كشف التقرير عن أن إيران نفّذت أو خطّطت لما لا يقل عن 15 عملية خطف أو اغتيال خلال فترة وجيزة، كان أبرز المستهدفين فيها صحفيون ونشطاء يعملون في وسائل إعلام ناطقة بالفارسية. وبيّن التقرير أن هذه العمليات ترافقت مع أساليب تخويف جسدي وتهديدات مباشرة، في حملة منظمة هدفت لإسكات الأصوات المعارضة لنظام الجمهورية الإسلامية، عقب احتجاجات سبتمبر 2022 التي أشعلها مقتل الشابة مهسا أميني.

 

وتشير اللجنة إلى أن هذه الأنشطة ليست استثناءً، بل جزء من “استراتيجية متكاملة” تعتمدها طهران لقمع المعارضين في الخارج، في استغلال متقن للفراغات القانونية في البلدان الغربية، والتكتم الاستخباراتي المعقد.

 

هجمات سيبرانية ضمن حرب الظل

 

ولم تقتصر أنشطة إيران على الاغتيالات والخطف. فقد سجل التقرير تصاعدًا في الهجمات السيبرانية الإيرانية، استهدفت قطاعات بريطانية حيوية مثل الصناعة البتروكيماوية والنظام المالي. وتحتل بريطانيا وفقًا للتقرير المرتبة الثالثة ضمن أولويات إيران الإلكترونية بعد الولايات المتحدة وإحدى الدول الخليجية، ما يعكس تصاعد التوتر غير المُعلن بين لندن وطهران.

 

وتُتهم كيانات إيرانية شبه حكومية، بالإضافة إلى أفراد مدفوعين بأجندات شخصية أو استخباراتية، بالوقوف خلف هذه الهجمات، في إطار ما تصفه اللجنة بـ”الحرب غير المتماثلة”، التي تستلزم من بريطانيا تطوير منظومة ردع إلكترونية وسيبرانية على مستوى عالٍ من الكفاءة.

 

إجراءات حكومية محدودة وردود غير كافية

 

في مارس 2025، اتخذت الحكومة البريطانية سلسلة خطوات اعتبرتها استباقية، منها إدراج إيران ضمن المستوى المعزز لنظام تسجيل التأثير الأجنبي، الذي يُلزم أي شخص يتلقى تعليمات من دولة أجنبية بالإفصاح عن نشاطه، تحت طائلة السجن لخمسة أعوام.

 

كما أعلن وزير الأمن دان جارفز فتح تحقيق لتصميم آلية قانونية جديدة لتصنيف ما يُعرف بـ”الإرهاب المدعوم من الدولة”، وهو توصيف يأمل أن يشمل الأنشطة الإيرانية في بريطانيا.

 

ورغم هذه التحركات، لم تسلم الحكومة من النقد، إذ اعتبر التقرير أن استجابتها لا تزال محكومة بمنطق “إدارة الأزمات” بدلًا من “التخطيط الاستراتيجي”، في إشارة واضحة إلى غياب سياسة موحدة تجاه التهديد الإيراني.

 

أحد الشهود الذين استجوبتهم اللجنة، أشار إلى نقص الكوادر المتخصصة في اللغة والثقافة الإيرانية داخل وزارة الخارجية البريطانية، ما يعيق صياغة سياسات فعّالة. كما لفت التقرير إلى أن بريطانيا لم تُدرج بعد “الحرس الثوري الإيراني” على قوائم الإرهاب، لأسباب قانونية وإجرائية، رغم تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية.

 

إيران كفاعل براغماتي ووكلاؤها في الواجهة

 

تقرير اللجنة قدّم تصورًا دقيقًا لطبيعة التهديد الإيراني، بوصفه “تهديدًا واسعًا ومتواصلًا”، يتجاوز النشاط الاستخباراتي التقليدي إلى استخدام جماعات متشددة وشبكات إجرامية في تنفيذ مهام اغتيال وتخريب، تُبقي طهران بمنأى عن الانتقام المباشر.

 

وأكّد المدير العام للمخابرات البريطانية أن أجهزة الأمن تمكنت منذ 2022 من إحباط 20 مؤامرة ذات صلة مباشرة بإيران، في دليل على اتساع رقعة العمليات وقوة الشبكات المرتبطة بها داخل المملكة المتحدة.

 

رئيس لجنة الاستخبارات، النائب العمالي كيفان جونز، شدد بدوره على أن “إيران تستخدم أدوات غير تقليدية في تقويض الأمن البريطاني، سواء عبر الهجمات السيبرانية أو العملاء المحليين المرتبطين بشبكات خارجية”.

 

سؤال المرحلة: هل بريطانيا مستعدة للمواجهة؟

 

في ظل هذه الوقائع المتسارعة، يطفو على سطح النقاش البريطاني سؤال محوري: هل تملك لندن الأدوات اللازمة لمواجهة هذا التهديد متعدد الأوجه؟ خاصة في ظل تباين السياسات، ونقص المتخصصين، واستمرار التعقيدات القانونية التي تعرقل تصنيف بعض الكيانات الإرهابية.

 

بينما يبدو الرد الحكومي في طور التشكل، تشير الأدلة المتراكمة إلى ضرورة بناء مقاربة استراتيجية متماسكة، تتجاوز الإجراءات الأمنية اللحظية إلى سياسة ردع طويلة المدى، تشمل الفعل الاستخباراتي، والحماية السيبرانية، والعلاقات الدبلوماسية.

 

في معركة من نوع جديد، تخوضها طهران خارج حدودها، تُجبر بريطانيا على إعادة التفكير في مفهوم السيادة والأمن القومي، بما يواكب التهديدات “الناعمة” التي قد تكون أكثر خطرًا من الصواريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى