تحركات الجالية الجنوبية في أمريكا: تصعيد دبلوماسي يؤكد عدالة القضية ويختبر جدية المجتمع الدولي

النقابي الجنوبي/ خاص
منذ صباح الإثنين 16 يونيو 2025، تشهد العاصمة الأمريكية واشنطن حراكًا جنوبيًا غير مسبوق، تقوده الجالية الجنوبية في الولايات المتحدة، بهدف كسر جدار التجاهل الدولي لقضية شعب الجنوب، وفرضها مجددًا على طاولات صناع القرار في الكونغرس والإدارة الأمريكية. وتستمر هذه الفعالية حتى 18 من الشهر ذاته، وسط اهتمام متزايد من أوساط الجنوب بالداخل والخارج، وقراءات متعمقة لطبيعة الرسائل التي يحملها هذا التحرك.
وبينما توصف اللقاءات بأنها تحركات دبلوماسية شعبية، إلا أن مضمونها يتجاوز الشكل الاحتفالي ليحمل طابعًا استراتيجيًا يربط الداخل الجنوبي بجبهة خارجية تتطلب اليوم حشدًا للرأي العام الأمريكي والدولي، تزامنًا مع لحظة سياسية فارقة يمر بها الجنوب والمنطقة ككل.
من الشتات إلى التأثير: خلفية تاريخية
لطالما لعبت الجالية الجنوبية في أمريكا دورًا رمزيًا ومحدودًا في العقود الماضية، يعود إلى ما بعد حرب صيف 1994 التي شتّتت الكوادر الجنوبية ونخبه السياسية. ومع تصاعد الحراك الجنوبي منذ 2007، ثم إعلان عدن التاريخي في 2017، بدأت الجاليات تتنظم سياسيًا، إلا أن تأثيرها بقي محصورًا في بيانات الدعم وبعض الأنشطة المحلية.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الدور السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، أعادت الجاليات الجنوبية صياغة أدوراها باتجاه الضغط الخارجي المنظم، مستفيدة من التحرك المتاح في الديمقراطيات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
دلالات التحرك الجديد: أكثر من مجرد صوت
يرى د. صدام عبدالله، في تحليل نشره تزامنًا مع انطلاق الفعالية، أن «التحركات التي يقوم بها أعضاء الجالية الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية تشكل نقطة محورية في مساعي شعب الجنوب نحو استعادة دولته كاملة السيادة»، مؤكدًا أن هذه الجهود «بمنزلة شريان حياة يربط تطلعات الداخل بالخارج»، في ظل تحديات معقدة يعيشها الجنوب سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
ويوضح د. صدام أن الفعالية لا تقتصر على تكرار المطالب، بل تنطلق من «برنامج مكثف يهدف إلى إيصال صوت الجنوب إلى أروقة صنع القرار في الولايات المتحدة، عبر لقاءات في مبنى الكونغرس والإدارة الأمريكية»، معتبرًا أن هذه المنصات تمثل فرصًا نادرة للتأثير المباشر في صياغة السياسات.
بين الإنسان والسيادة: ثقل الرسائل المطروحة
وفي صلب الرسائل التي تسعى الفعالية لإيصالها، بحسب صدام عبدالله، تأكيد على «المعاناة الإنسانية التي يعاني منها شعب الجنوب، والأوضاع المأساوية التي فُرضت عليهم جراء الصراعات والحروب». كما تركز اللقاءات على ما وصفه بالدور المحوري للقوات الجنوبية «في مواجهة الإرهاب الذي يهدد استقرار المنطقة برمتها».
بهذا المعنى، لا تكتفي الجالية بعرض الأزمات، بل تربطها بمسؤولية المجتمع الدولي، وتطالب بإنهاء الحرب وإرساء دعائم الأمن كمدخل حتمي لأي تسوية حقيقية. إنها عملية تسليط ضوء على “الظلم الممنهج” الذي تُرك الجنوب ليواجهه منفردًا، رغم كونه طرفًا ضامنًا في معادلة الاستقرار الإقليمي.
لماذا الآن؟ قراءة في التوقيت السياسي
يأتي هذا التحرك في لحظة حساسة تشهد تعثرًا سياسيًا على مستوى الداخل اليمني، وتراجعًا واضحًا في ثقة الشارع الجنوبي بالمجتمع الدولي، خصوصًا مع غموض الموقف الأمريكي إزاء مستقبل الجنوب في أي تسوية قادمة. ولهذا السبب، يبدو أن التحرك الحالي يسعى لفرض حضور الجنوب كـ”قضية سيادة” لا كملف إنساني عابر، وهو ما عبر عنه د. صدام بالقول:
«الهدف الأسمى من هذه المساعي هو إحلال السلام العادل الذي يعيد لشعب الجنوب حقه في تقرير مصيره وبناء دولته الفيدرالية المستقلة».
مشروع الدولة بين النظرية والرسالة
وفي واحدة من أكثر الفقرات حسمًا، يقول د. صدام:
«مطلب استعادة الدولة الجنوبية ليس مجرد شعار سياسي، بل هو تعبير عن إرادة شعب يتوق إلى الاستقرار والازدهار والعيش بكرامة»، مشيرًا إلى أن هذه التحركات تمثل «فرصة ذهبية لتقديم رؤية واضحة لمستقبل الجنوب بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وبما يضمن حقوق جميع مكوناته».
إنها رسالة بأن الجنوب لا يبحث عن مخرج ظرفي من أزمة، بل عن شراكة ندّية في خارطة إقليمية جديدة قوامها السيادة والتنمية والعدالة الاجتماعية.
من واشنطن إلى عدن: هل يستجيب الداخل؟
نجاح التحركات الجنوبية في أمريكا مرهونٌ بأمرين متكاملين: أولاً، القدرة على كسب دعم سياسي أمريكي فعلي، وثانيًا، توفير حاضنة داخلية قادرة على ترجمة هذا الدعم إلى واقع سياسي ودستوري. وهنا يبرز السؤال: هل يلتقط الداخل الجنوبي الرسالة بوضوح؟ وهل تتحول هذه الجهود إلى مظلة ضغط على مجلس القيادة والحكومة اليمنية والمجتمع الدولي على السواء؟
رأي ختامي: الجنوب يصوغ دبلوماسيته من جديد
إن تحركات الجالية الجنوبية في أمريكا ليست فعالية عابرة، بل بداية لمرحلة جديدة من الاشتباك السياسي الخارجي، تقوم على مبدأ “الدبلوماسية الشعبية المنظمة” بعيدًا عن الخطابات الانفعالية أو التبعية الإقليمية. وقد لخصها د. صدام عبدالله بقوله:
«جهود الجالية الجنوبية في أمريكا هي شهادة على إصرار شعب الجنوب على نيل حقوقه المشروعة وبناء مستقبله بيديه».
ومع توسع هذا الحراك وتصاعد نضجه، فإن الجنوب لا يدافع فقط عن ماضيه، بل يرسم ملامح مشروع سيادي شامل، يضعه مجددًا في قلب معادلة الاستقرار الإقليمي، لا كمتغير تابع بل كفاعل وطني مستقل.