اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

هل كذب الحوثيون في نسبهم؟ تحليل جيني قد يغير التاريخ السياسي في اليمن

النقابي الجنوبي/خاص

في لحظة مفصلية لم يدركها كثيرون، ربما وقعت أول ضربة علمية قاصمة لخطاب الحوثيين العقائدي القائم على “النسب الهاشمي الشريف”، لا برصاصة ولا بمنشور سياسي، بل بعينة حمض نووي صغيرة من حسين بدر الدين الحوثي نفسه. فما الذي حدث؟ وهل انكشفت أسطورة النسب الهاشمي علمياً؟ وما مدى تأثير ذلك على شرعية الجماعة؟ ولماذا أُخفيت نتائج الفحص؟ وما علاقة الألمان وهارفارد بالقصة؟ وهل تسقط هذه الوثيقة الجينية أركان المشروع الحوثي من جذوره؟

زيارة ألمانية تقود إلى مفاجأة علمية

في العام 1993، وصل فريق ألماني متخصص في الجينات البشرية من جامعة ميونيخ إلى صنعاء، ضمن مشروع بحثي واسع لرسم خريطة السلالات الوراثية في الشرق الأوسط. وكان برفقتهم الخبير المعروف في علم الجينوم البشري، البروفيسور ديفيد رايش من جامعة هارفارد. الفريق الألماني تعاون ميدانياً مع الدكتور علي الخراساني، أحد أبرز أطباء مستشفى الكويت الجامعي التابع لجامعة صنعاء آنذاك.

صادف أن حسين الحوثي، مؤسس الجماعة التي ستقود لاحقاً انقلابًا عنيفًا في اليمن، كان يتردد على المستشفى بسبب معاناته من التهابات سحائية مزمنة. وعندما سمع الفريق الألماني منه أنه من آل بدر الدين، المنتسبين لبني هاشم، طلبوا أخذ مسحة جينية منه، ضمن مشروعهم البحثي. وافق حسين، وبدأت القصة تأخذ منعطفًا غير متوقع.

النتائج التي لم يرغب أحد بنشرها

بعد نحو شهر، وصلت نتائج التحاليل الجينية من ألمانيا. وكعادة الفريق، أُرسلت النتائج إلى كل من خضع للفحص، كما نُشرت نسخة كاملة منها عبر المستشفى في تقرير علمي داخلي. وكانت المفاجأة: الجينوم الخاص بحسين الحوثي لا ينتمي بأي شكل للسلالات العربية أو السامية.

أظهرت نتائج الفحص أن الجينوم الخاص به هو R1a-M17، وهو نمط جيني غير عربي على الإطلاق. بل ينتمي إلى السلالة الهندوآرية المنتشرة في القوقاز، وفارس، وأواسط آسيا، ولا تربطه أي صلة بسلالات العرب التي يمثلها جينوم J1 أو J2.

ماذا يعني ذلك؟

هذا الاكتشاف، من الناحية العلمية، يعني أن حسين الحوثي وآل بدر الدين لا ينتمون لسلالة بني هاشم، ولا للعرب أساساً. بل تعود أصولهم الجينية إلى قوميات قوقازية مثل الفُرس، الأذريين، الجورجيين، والقاجاريين. وهي قوميات انتقلت إلى جنوب بحر قزوين واستوطنت مناطق مثل طبرستان ورشت وديلم وصوري، أي في إيران الحالية.

بعبارة أوضح: حسين الحوثي، وفقاً للتحليل الجيني، ليس عربياً، ولا قرشياً، ولا هاشمياً. والادعاء الذي بُني عليه جزء كبير من الشرعية الدينية والسياسية للجماعة، ليس له أي أساس علمي.

التعتيم.. والسبب سياسي

مع أن الفريق الألماني تعامل مع النتائج بوصفها جزءاً من بحث علمي صرف، فإن ردود الفعل اليمنية، خصوصاً في الوسط القريب من جماعة الحوثي، كانت شديدة الحساسية. سرعان ما جرى التعتيم على التقرير، وسُحبت النسخ من المستشفى، كما مُنعت مناقشة الأمر علنًا، تحت حجج “الخصوصية الطبية” أو “الفتنة الطائفية”.

لكن من عرفوا الحقيقة في حينها ظلوا يتداولونها همساً. وظلت النخبة السياسية والدينية المرتبطة بالجماعة حريصة على دفن هذه الورقة، لأنها ببساطة تهدم السردية التي رُكبت عليها كل مشروعية “الولاية” المزعومة، وحق “أبناء البطنين” في الحكم، كما يدّعي فقه الحوثيين.

حين يهزم العلم الخرافة

ما جرى عام 1993 ليس مجرد واقعة طبية، بل زلزال علمي وسياسي مؤجل. فعبر اختبار جيني بسيط، سقطت رواية كاملة بُنيت عليها عقود من الزيف الممنهج. لم يعد بالإمكان الحديث عن “الحق الإلهي” في الحكم المستند إلى النسب النبوي، حين تظهر النتائج أن هذا “النسب” لا يمت بصلة إلى قريش ولا إلى الجزيرة العربية أصلاً.

هذا النوع من الأدلة العلمية لا يحتمل التأويل، ولا يعترف بـ”التقية السياسية”. فالجينات لا تكذب، ولا تجامل.

من الهندوآري إلى صعدة: سقوط السلالة الموهومة

تاريخياً، تعود بعض العائلات الزيدية في اليمن إلى مهاجرين من فارس وقزوين جاءوا خلال القرون الأولى للإسلام، واستقروا في الهضبة الشمالية لليمن. ومع مرور الوقت، أُعيد تشكيل هوياتهم وفق سرديات دينية وسياسية تمنحهم مكانة مقدسة. وكان الادعاء بالانتماء لآل البيت وسيلة للشرعنة لا أكثر.

لكن العلم الحديث، عبر علم الجينوم والسلالات البشرية، أعاد رسم الحقيقة. وبينما لا تزال الجماعة ترفع شعار “أنصار الله” وتتباهى بانتمائها للبيت النبوي، فإن الشفرة الوراثية نفسها تقول شيئًا مختلفًا تمامًا.

صمت رسمي.. وتواطؤ ثقافي

رغم فداحة النتائج، لم تخرج أي جهة علمية أو سياسية في اليمن لمناقشة الأمر بوضوح. بل ساد صمت مريب يعكس عمق التواطؤ، ليس فقط من قبل الحوثيين، بل من أطراف أخرى ترى في استمرار “أسطورة الهاشمية” وسيلة مناسبة للسيطرة على العقول وإعادة إنتاج الهيمنة الطائفية.

في المقابل، ظل الباحثون الأجانب يواصلون نشر نتائجهم في الدوريات الأكاديمية، دون أن تصل إلى الجمهور اليمني والعربي، الذي ما زال يُخدع يوميًا بخطب عن “الدم الطاهر” و”أحفاد النبي”.

عندما يسقط القناع بالميكروسكوب

تحليل جيني واحد، أُجري قبل أكثر من 30 عاماً، قد يكون أكثر فتكاً بمشروع الحوثيين من آلاف الخطب السياسية. فعندما تتساقط أوراق النسب، ويتضح أن “الهاشمي” ليس هاشمياً، بل من سلالة آرية جاءت من شمال فارس، تنهار شرعية السلطة القائمة على الخرافة والتمييز السلالي.

وفي زمن أصبحت فيه الجينات علماً لا يُكذب، فإن السؤال الآن لم يعد: هل كذب الحوثيون في نسبهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى