اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

(العليمي) بين التنسيق والتهديد: خضوع معلن للحوثي واستهداف مبطن للجنوب

النقابي الجنوبي/المحرر السياسي/خاص

في مشهد سياسي يعيد تشكيل معادلات السيطرة والولاء، فجّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، عبر قناة “روسيا اليوم”، تصريحًا خطيرًا يعكس خضوعًا واضحًا لمليشيات الحوثي الإرهابية، وتعاونًا مستترًا معها، على حساب السيادة الوطنية، وعلى وجه الخصوص أمن واستقرار الجنوب. ففي ما بدا تبريرًا غير مباشر لتسليم الإرادة الوطنية، قال العليمي إن حكومته رضخت لتهديدات الحوثيين، وسمحت بعودة الطائرة الرابعة إلى مطار صنعاء تحت ضغط إنذارات صريحة بقصف مطارات الجنوب.

هل نحن أمام إعلان غير مباشر لشراكة غير معلنة بين حكومة العليمي والحوثيين؟
ما الرسالة التي أراد العليمي إيصالها في توقيت إقليمي حساس؟
لماذا اختار العليمي الإفصاح عن تفاصيل التهديد الآن؟
هل كان القرار لحماية الطائرات أم لإثبات الولاء؟
وأين هو موقف مجلس القيادة من هذه “الابتزازات” التي يُذعن لها العليمي بلا مقاومة؟

تفكيك مضمون الرسالة: خضوع أم تواطؤ؟

ما أعلنه العليمي ليس مجرد “كشف للموقف”، بل تظهير لعقيدة سياسية تتعاطى مع جماعة الحوثي كطرف “شبه شريك”، يستحق الاستجابة، لا المواجهة. فالتصريحات تبيّن أن رئيس المجلس اضطر – بحسب تعبيره – إلى الانصياع لإنذار ميليشيات إرهابية بقصف مطارات الجنوب، دون اتخاذ أي خطوات ردع أو إجراءات دفاع، مكتفيًا بالإذعان كخيار وحيد. هذا الاعتراف وحده يُسقط ما تبقى من هيبة الدولة المزعومة ويكشف حدود القرار “السيادي” لحكومة العليمي.

الأكثر خطورة ليس خضوع العليمي للتهديد، بل محاولته تبرير ذلك الخضوع كخيار عقلاني، بينما هو في الحقيقة انكشاف استراتيجي لمواقع حيوية في الجنوب، وتسليمها سياسيًا وعسكريًا لطرف انقلابي.

قرارات سيادية بيد غير وطنية

أحمد الحوري علّق بمرارة على تصريحات العليمي، وكتب:

“كان بإمكانه الرد على الحوثي بتحريك الجبهات، وإغلاق ميناء الحديدة، وإيقاف التعامل بالعملة القديمة، لكنه لم يفعل، لأنه ببساطة لا يملك قراره.”
ويضيف:
“من اختار لنا هؤلاء الضعفاء لم يخترهم إلا لتنفيذ أجنداته، لا لتحرير وطن.”

كلمات الحوري تختصر واقعًا مريرًا: سلطة لا تقرر، ولا تملك أدوات الردع، لكنها تملك فقط خيار الانبطاح تحت غطاء “تفادي التصعيد”.

الشراكة الخفية

الناشط السياسي محمد عبادل وضع النقاط على الحروف حين قال:

“هذا دليل قاطع أنكم منسقين مع الحوثي ولن تحرروا صنعاء، أنتم متفاهمين على تقاسم السلطة، الحوثي يحكم صنعاء وأنتم عدن، والإيرادات ترسلوها له، وتعينوا الحوثيين في مناصب الشرعية. الوحدة عادت سكيتي دون إعلان ولا علم الجنوبيين.”

بعبارة أخرى، العليمي لا يُخضع نفسه للحوثي فحسب، بل يخضع الجنوب كله لمنظومة السيطرة التي تمثلها صنعاء، ويعيد تموضع السلطة لصالح الميليشيات، دون الرجوع إلى شعب الجنوب أو قياداته.

تهديد مبطن للانتقالي.. وإحداثيات بيد العليمي

الصحفي عبد الله قردع ذهب إلى عمق الرسالة التي أراد العليمي تمريرها، معتبرًا أنها ليست مجرد اعتراف، بل تهديد مبطن للانتقالي والجنوب، قائلاً:

“العليمي يستغل الحادثة ليرسل رسائل مزدوجة: واحدة يغازل بها الحوثي، والثانية يهدد بها الجنوب، مفادها: أنا جندي لصنعاء وإن كنت في معاشيق. من يؤذيني منكم فصواريخ الحوثي جاهزة لدك الجنوب، والأحداثيات بيدي.”
ويضيف:
“باختصار، هو منصاع للحوثي، ويريد من الجنوبيين الانصياع له.. وإلا فالعقاب جاهز.”

تهديد واضح وانحراف في الخطاب

ناصر باحاج اعتبر حديث العليمي تهديدًا واضحًا للجنوب:

“تصريحاته تنطوي على تهديد مبطن للانتقالي والجنوب عموماً.”
أما نبيل المفلحي فكتب:
“العليمي يهددنا بالحوثي.. إذا لم تنفذوا ما أقول، الحوثي سيضرب الكل.”

في قراءة هؤلاء، لا تخرج تصريحات العليمي عن كونها إعلانًا ناعمًا لحالة تبادل أدوار: حكومة في عدن تؤمن الغطاء السياسي، وميليشيا في صنعاء تؤمن القوة الردعية، وكلاهما يقتسمان النفوذ.

الحوثي لم يخسر.. والعليمي لم يربح

الخطوط الجوية اليمنية خسرت أربع طائرات بقيمة عشرات الملايين من الدولارات، وأكدت الحكومة أن الطائرات لم تكن مؤمنة. أما العليمي، فحاول تحميل الحوثيين المسؤولية الكاملة، لكنه في ذات الوقت اعترف بأنه لم يملك من أمره شيئًا سوى الانصياع لإنذاراتهم. هل هذا خطاب رجل دولة، أم تاجر مواقف؟

أزمة الشرعية: من أزمة قرار إلى أزمة كيان

إن تبرير التنازل تحت التهديد يعكس فشلًا مركبًا على مستوى الرؤية والسيادة والقرار. الشرعية التي لا تملك أدوات الردع ولا القدرة على حماية مطاراتها ولا تقوى حتى على التعبير عن الغضب، هي شرعية مهترئة، تحكم بأمر غيرها، وتساوم على حساب الجنوب وتضحياته.

الجنوب بين مطرقة التهديد وسندان الخضوع

ما قاله العليمي ليس تفصيلًا عابرًا في حديث إعلامي، بل هو وثيقة سياسية تستوجب القراءة الصارمة، لأنها تكشف مستوى التورط، لا الضعف فقط. إن كان رئيس مجلس القيادة يلوّح للجنوب بصواريخ الحوثي، فعلى المجلس الانتقالي وكل القوى الجنوبية أن تتيقن أن البوابة الوحيدة لحماية الجنوب تبدأ من الاستقلال الكامل عن شرعية لم تعد تمثل سوى عنوانًا هشًا للتبعية.

لقد أصبح واضحًا أن صراع الجنوب الحقيقي اليوم ليس فقط مع الحوثيين، بل مع شركاء الشرعية الشماليين في عدن الذين لم يعودوا يخفون ولاءهم لصنعاء، ولا ترددهم في تهديد حضرموت وعدن بلسان العدو نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى