بعثة الجنوب في واشنطن: تحول استراتيجي يرسّخ الاعتراف السياسي ويخاطب العالم بلغة المصالح

”خطوة غير مسبوقة في قلب العاصمة الأمريكية تعيد تعريف موقع الجنوب في معادلة الحل السياسي وتفتح قنوات اتصال مع صُنّاع القرار“
النقابي الجنوبي/هشام صويلح/خاص.
في تحول دبلوماسي وصفه مراقبون بـ”النوعي”، شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، في الثالث من مايو 2025، افتتاح المقر الرسمي لبعثة المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد استكمال كافة الإجراءات القانونية وحصول المجلس على التصاريح اللازمة من السلطات الأمريكية. هذه الخطوة لم تكن مجرد حفل تدشين لمكتب خارجي، بل تجسيد عملي لإرادة شعب الجنوب في تثبيت حضوره السياسي والدبلوماسي على خارطة العلاقات الدولية، بعد عقود من التهميش منذ الاحتلال اليمني للجنوب في العام 1994.
لحظة مفصلية في العمل السياسي الجنوبي
في كلمته خلال مراسم التدشين، التي حضرها سياسيون وخبراء وممثلون عن الجالية الجنوبية في أمريكا، وصف الرئيس القائد (عيدروس الزُبيدي) افتتاح البعثة بـ”المحطة المفصلية”، معتبرًا أنها تعكس التزام المجلس بتمثيل تطلعات شعب الجنوب في المنابر الدولية. وأكد الرئيس القائد (الزُبيدي) أن هذه الخطوة ستكون باكورة سلسلة من المكاتب التمثيلية في عدد من العواصم العالمية، قائلًا: “نتطلع إلى شراكات فاعلة لتعزيز السلام والتنمية في الجنوب والمنطقة عمومًا”.
تصريحات (الزُبيدي) لم تكن مجرد كلمات للاستهلاك الدبلوماسي، بل تُشير إلى تحول استراتيجي في أداء المجلس، من كيان يركز على الداخل إلى فاعل يسعى لترسيخ حضوره في السياسة الدولية، ويخاطب العالم من عواصمه المؤثرة.
دوافع الافتتاح وأهداف البعثة
لا يمكن فصل افتتاح مكتب واشنطن عن الديناميكيات الإقليمية والدولية الجارية. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يقود مشروع استعادة دولة الجنوب، يدرك أن الشرعية لا تُنتزع فقط بالبندقية، بل تتطلب اعترافًا دوليًا نابعًا من الحضور الدبلوماسي والتأثير في مراكز صنع القرار، وعلى رأسها واشنطن.
البعثة تهدف إلى:
تعزيز الاعتراف الدولي بالمجلس وقضية الجنوب في قلب العاصمة الأمريكية.
بناء شراكات سياسية وفكرية مع المؤسسات الأمريكية ومراكز الدراسات المؤثرة.
فتح قنوات التواصل مع الجاليات والمنظمات لتعزيز الدعم الشعبي والسياسي.
التفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي في ملفات الأمن، التنمية، وحقوق الإنسان.
مواجهة الروايات المضادة التي يروجها خصوم الجنوب، خاصة من جماعة الحوثي وأدوات الإخوان.
من الداخل إلى الخارج: قراءة في التحول الاستراتيجي
منذ انطلاق الحراك الجنوبي في 2007، ظل الصوت الجنوبي محصورًا داخل الجغرافيا السياسية لليمن، دون تمثيل خارجي فاعل. وحتى بعد تشكيل المجلس الانتقالي في 2017، بقي الخطاب الجنوبي مركزًا على الداخل، ما جعل خصوم الجنوب يحتكرون رواية الأحداث أمام المجتمع الدولي. لكن افتتاح بعثة واشنطن يعكس تحولًا استراتيجيًا في أداء المجلس، يتسم بالانفتاح على المؤسسات العالمية، والانتقال من الدفاع إلى المبادرة.
يُجمع العديد من المحللين الجنوبيين على أن هذه الخطوة تنقل المجلس إلى مربع “الشرعية السياسية الدولية”، وإن لم يكن اعترافًا رسميًا بالدولة الجنوبية، فإنه اعتراف بوجود قضية حقيقية وجسم سياسي منظم له رؤية واستراتيجية.
تحديات محتملة ومخاطر محسوبة
لكن الخطوة لا تخلو من التحديات. فهناك أطراف دولية لا تزال تعتبر وحدة اليمن إطارًا رسميًا لأي تسوية سياسية، كما أن بعض دول الإقليم قد تتحسس من تصاعد حضور المجلس خارج إطار “الشرعية اليمنية المعترف بها دوليًا”. وعلى هذا الأساس، فإن التحدي الأكبر أمام بعثة واشنطن يكمن في قدرتها على تقديم خطاب دبلوماسي عقلاني، واقعي، ومرتبط بمصالح واشنطن، وليس فقط عاطفيًا أو ثوريًا.
الاستراتيجية التي يتبعها المجلس تقوم على عدة محاور:
الواقعية السياسية في الخطاب، من خلال التركيز على قضايا مشتركة مثل محاربة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية.
المرونة الدبلوماسية في بناء التحالفات، سواء مع مراكز أبحاث أو جهات تشريعية.
إبراز الجنوبي كشريك موثوق في الاستقرار الإقليمي، لا كتهديد لوحدة اليمن فقط.
تفعيل دور الجاليات الجنوبية في الضغط الناعم والمساهمة في صياغة الرأي العام.
موقع الجالية الجنوبية في المعادلة
الجالية الجنوبية في الولايات المتحدة لعبت دورًا كبيرًا في تمهيد الطريق لافتتاح هذا المكتب. فمنذ سنوات، تعمل الجاليات على ربط الجنوب بالمؤسسات الأمريكية، وتنظيم فعاليات تعريفية بالقضية، والتواصل مع مراكز الدراسات. وهذا ما أكده الرئيس (الزُبيدي) حين أشاد بجهود الجالية، معتبراً إياها “رأس الحربة في المعركة الدبلوماسية”.
افتتاح المكتب يُعد كذلك منصة لخدمة الجنوبيين في المهجر، وتنسيق جهودهم السياسية والحقوقية، مما يعزز ارتباطهم بالقضية الوطنية، ويحولهم إلى روافد دعم مستدامة.
انعكاسات إقليمية ودولية
إقليمياً، قد يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها مؤشرًا على توجه المجلس الانتقالي نحو لعب دور مستقل في المعادلة اليمنية، ما قد يثير تبايناً في المواقف بين داعمي الوحدة ورافضيها. بعض دول الخليج قد ترى في هذه الخطوة تعزيزًا لاستقرار الجنوب وشريكًا محتملاً في ملفات الأمن البحري ومكافحة الإرهاب، في حين قد تتحفظ دول أخرى خشية تأثيرها على توازنات اليمن الداخلية.
دوليًا، ستُسهم البعثة في إعادة رسم صورة الجنوب أمام المؤسسات الدولية. فمن خلال التواصل المباشر مع الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، وصنّاع القرار الأمريكيين، سيتمكن المجلس من عرض قضيته كقضية شعب يسعى للاستقلال، وليس مجرد فصيل داخل صراع يمني.
قراءة في الموقف الأمريكي
الموقف الأمريكي من الجنوب لم يكن يومًا واضحًا تمامًا. لكن منح التصاريح القانونية لبعثة المجلس يعكس اعترافًا ضمنيًا بشرعية وجوده كفاعل سياسي. وهذا لا يعني أن واشنطن اعترفت بدولة الجنوب، لكنه يشير إلى انفتاح أمريكي على جميع الأطراف المؤثرة، خاصة تلك التي تقدم نفسها كشريك في الاستقرار الإقليمي.
الجنوب، عبر المجلس الانتقالي، لديه اليوم فرصة ذهبية لترسيخ حضوره في المؤسسات الأمريكية، خاصة في ظل التحولات الدولية التي باتت تنظر إلى الاستقرار والأمن كمحددات رئيسية للعلاقات الخارجية.
صدى البعثة الجنوبية في واشنطن يُلهب وجدان النخبة ويُرسي ملامح التحول السياسي
في لحظةٍ وُصفت بأنها “نقلة تاريخية”، جاءت افتتاحية بعثة المجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة الأمريكية واشنطن لتشعل حماس النخبة السياسية والأكاديمية الجنوبية، التي رأت فيها تدشينًا لمسار دبلوماسي طال انتظاره، وإعلانًا رسميًا عن دخول الجنوب نادي الفاعلين على خارطة القرار الدولي.
د. صدام عبدالله، المستشار الإعلامي للرئيس الزُبيدي، أكد أن “افتتاح البعثة يمثل علامة فارقة في مسيرة قضية شعب الجنوب”، موضحًا أن الخطوة ترسّخ شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، وتمكّن الجنوب من إيصال صوته مباشرة إلى صانع القرار الأمريكي. ولفت إلى أن الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا “الجهود المضنية التي بذلها الرئيس القائد (عيدروس الزبيدي)”، مبرزًا أهمية تزامن هذه الخطوة مع ذكرى إعلان عدن، باعتبارها “بداية مشرقة لمرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي الهادف نحو الاستقلال”.
أما الكاتب الجنوبي محمد النعماني، فقرأ الحدث من زاوية استراتيجية، واصفًا البعثة بأنها “تحوّل مفصلي في إدارة المعركة السياسية”، ودليل على “نضج الأداء السياسي للمجلس الانتقالي وقدرته على التوسع الخارجي”. وذكّر بأن المسار بدأ فعليًا منذ إعلان التفويض الشعبي لـ(لزُبيدي)، معتبرًا أن البعثة تبعث برسائل واضحة للقوى الدولية مفادها أن “الجنوب يمتلك قيادة سياسية قادرة على التمثيل وبناء العلاقات الخارجية”، في وقتٍ شدد فيه على رمزية فتح نافذة سياسية في العاصمة الأقوى عالميًا.
من جهته، أشار الكاتب البارز د. حسين العاقل إلى أن المجلس الانتقالي “اقترب من مركز صناعة القرار الدولي”، واصفًا الافتتاح بأنه أهم إنجاز سياسي خارجي يُسجل في الذكرى الثامنة للتفويض الشعبي. كما رأى فيه إيذانًا ببدء مرحلة قادمة ستشهد افتتاح بعثات أخرى حول العالم، موجهًا رسائل ضمنية لمن وصفهم بـ”مراكز القوى اليمنية” التي تعرقل مسيرة الجنوب.
الناشط السياسي وضاح الهنبلي سلّط الضوء على الجانب الإجرائي والدلالي في آن، مؤكدًا أن البعثة أنشئت “بعد أخذ الموافقة الكاملة من الحكومة الأمريكية”، وأنها “تفتح آفاقًا جديدة من العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس ترامب”، في إشارة صريحة إلى البعد الاستراتيجي للعلاقات القادمة.
د. أمين العلياني، الأكاديمي والباحث السياسي، قدم قراءة فكرية معمّقة للخطوة، فقال إن “الجنوب يُعلن للعالم: نحن أصحاب حق، ولن نرضى بغير الاستقلال”، واعتبر أن البعثة في واشنطن تمثل انتصارًا جديدًا تحت قيادة القائد الرئيس (الزُبيدي)، وترسيخًا لشرعيته كـ”ممثل وحيد لشعب عانى من الاحتلال”. كما رأى أن العالم بات يعترف بـ”وزن الجنوب الاستراتيجي”، معلنًا أن “المعركة قد حُسمت لصالح أبناء عدن وحضرموت والمهرة”.
وفي السياق ذاته، عبّر الناشط الجنوبي سالم بن بشر عن فرحته بالحدث، واصفًا افتتاح المكتب بأنه “لطمة في الوجه” لمن ظنوا أن “حرب الخدمات ستشل عملنا السياسي”. وأضاف: “لقد كانت ضربة معلم وخيبة أمل لكل من راهن على تعذيب الشعب لإيقاف مسيرة الجنوب الدبلوماسية”.
الصحفي أصيل هاشم بدوره أشار إلى أن الحدث ليس عابرًا، بل “تتويج لمسار طويل ومضني” خاضه المجلس الانتقالي بقيادة (الزُبيدي)، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستكون عنوانًا للنضال الدبلوماسي نحو الاستقلال. وأكد أن “الجنوب حي، وقضيته حية، وموعد النصر بات أقرب من أي وقت”، مضيفًا أن البعثة تمثل “نافذة الجنوب على العالم” وجسرًا لبناء شراكات استراتيجية جديدة.
بهذه التصريحات المتنوعة والمتكاملة، يتضح أن الوعي السياسي الجنوبي يتعاطى مع تدشين البعثة في واشنطن بوصفه لحظة تأسيس دبلوماسي، تُترجم نضال الميدان إلى مسار تفاوضي خارجي، وتُظهر أن الجنوب اليوم ليس مجرد قضية عادلة، بل مشروع سياسي ناضج، بات يملك أدواته، ورجاله، وخطابه الموجه إلى المجتمع الدولي بلغته وأدواته.
من واشنطن إلى المستقبل
تدشين بعثة المجلس الانتقالي الجنوبي في واشنطن هو أكثر من مجرد افتتاح مكتب تمثيلي؛ إنه تتويج لمسار طويل من النضال، وتحول في أدوات الصراع من الداخل إلى الخارج، ومن البندقية إلى الدبلوماسية.
لكن النجاح ليس مضمونًا، بل مرهون بقدرة المجلس على الاستفادة من هذه الفرصة، وتقديم خطاب سياسي متزن، وقراءة دقيقة للتوازنات الدولية، وبناء علاقات استراتيجية لا تقوم على اللحظة، بل على رؤية بعيدة المدى.
إنها لحظة تاريخية، وقد تكون نقطة التحول التي ينتظرها الجنوب، لكن بشرط أن تُدار بذكاء سياسي، وإرادة وطنية، وشراكة جماعية مع كل جنوبي يؤمن أن العالم لا يسمع إلا من يتقن مخاطبته.