بولندا… المهاجرون بين مطرقة الشائعات وسندان الخطاب الشعبوي

النقابي الجنوبي – متابعات
مع تصاعد العنف اللفظي والجسدي ضد المهاجرين في بولندا، بدأت مخاوف حقيقية تتزايد حول مستقبل التنوع الاجتماعي في هذا البلد الأوروبي الشرقي، الذي كان يُعرف باستقراره النسبي تجاه ملف الهجرة مقارنة بجيرانه.
القصة بدأت بجريمة مروعة راحت ضحيتها شابة بولندية تدعى (كلاوديا)، قتلت طعنا في حديقة عامة على يد رجل فنزويلي. ورغم أن الجريمة عمل فردي، إلا أن تداعياتها كانت جماعية ومدمرة.
في تورون، خرج الآلاف في مسيرة صامتة نظمها اليمين المتطرف، رافعين شعارات مناهضة للهجرة. تلتها موجة شائعات استهدفت مهاجرين أبرياء، وتسببت في اعتداءات وحرق نزل كان يضم لاجئين.
البيئة السياسية غذت هذه الأجواء، إذ صرّح نائب من تحالف (كونفدراتسيا) أن “رُهاب الأجانب عنصر مهم في الوحدة الوطنية”. بينما شبّهت منظمات حقوقية الوضع الحالي بـ”أجواء ما قبل البوغروم”، في إشارة إلى الهجمات التاريخية ضد اليهود.
الإحصاءات الرسمية تدحض المزاعم المنتشرة، إذ لا تتجاوز نسبة المولودين خارج البلاد 2.2% من سكان بولندا، مقارنة بـ18.2% في ألمانيا و13.8% في فرنسا. وحتى محاولات العبور غير النظامي من الحدود البيلاروسية لم تسجل أرقامًا ضخمة.
لكن الخطاب المتشدد، مدفوعا بالإعلام اليميني والمعلومات المضللة، أسهم في تعزيز عقلية “الحصار”، حيث باتت شرائح من البولنديين ترى في كل مهاجر تهديدا محتملاً، وتعتبر وجودهم سببًا في مشكلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية.
إلمي عبدي، لاجئ صومالي ورئيس مؤسسة “بداية جيدة”، يقول: “نحن ندفع الضرائب، نعمل بجد، ونحاول الاندماج. ومع ذلك، نتعرض للإهانات، ونُحمّل كل خطأ يقع هنا.
وفي حين تكتفي السلطات بالمراقبة، يسيّر اليمين المتطرف “دوريات حدودية شعبية”، ويعقد مسيرات في عشرات المدن تحت شعار “استعادة بولندا البيضاء”.
التحدي الذي تواجهه بولندا اليوم لا يتعلق بالهجرة بقدر ما يتعلق بكيفية معالجة خطاب الكراهية، ومتى ستتدخل الدولة بشكل فعلي لتمنع الانزلاق نحو سيناريوهات أكثر خطورة.