تعز تُقتل بصمت… والمفسبكون مشغولون بأمن عدن

رائد عفيف
في تعز، لا تحتاج إلى نشرة أخبار لتعرف أن المدينة تنهار… يكفي أن تفتح نافذتك. صوت الرصاص صار جزءًا من الروتين، والجريمة حدث يومي لا يثير الدهشة. مدينة كانت تُلقّب بـ”الثقافة”، واليوم تُدار بالفوضى، وتُحكم بالريموت من خارج الجغرافيا والعقل.
لكن الغريب أن أبناء تعز لا يبدون قلقًا. المثقفون مشغولون بسقطرى، والإعلاميون يكتبون عن أمن عدن، والمفسبكون يتجادلون حول الجنوب، وكأن تعز تعيش في سويسرا. جارك قُتل أمس؟ لا بأس، المهم أن تكتب منشورًا عن “ضرورة حماية الجنوب من الاختراقات”.
يطالبون بحماية الجنوب… من أبنائه الجنوبيين! أي حرص هذا؟ أم هو خوف من وعي لا يمكن شراؤه؟
أما من يحكم تعز؟ فغالبًا ليس منها. المدينة لا تُحكم إلا إذا جاءها “زيدي” يحمل في جيبه مفتاح النظام، وكلمة السرّ: “اسكتوا، نحن نعرف مصلحتكم أكثر منكم”. يعين مندوبين، يوزّع الألقاب، ثم يغادر ليحكمهم من بعيد، عبر الهاتف أو عبر وسيط أو عبر تغريدة. أبناء تعز، رغم كثرتهم، لا يستطيعون إدارة مدرسة ابتدائية، بينما القادم من الشمال يُدير المدينة بالريموت، من صعدة إلى صنعاء، ومن تركيا إلى تويتر.
الزيود – حسب الرواية المتداولة – يعتبرون أنفسهم سكان اليمن الأصليين، ويعاملون أبناء تعز كدرجة ثانية. ومع ذلك، تجدهم يعبثون بمصير المدينة من بعيد، وكأنها مجرد لوحة شطرنج، يُحرّكون فيها البيادق حسب المزاج الإقليمي. حتى تركيا، التي تراجع حضورها، لا تزال تحتفظ بخيوط ناعمة تحرّك بها بعض الأذرع الزيدية، في لعبة النفوذ الإقليمي.
والأدهى من ذلك، أن أبناء تعز أنفسهم يصفقون لهذا العبث، ويبررونه، ويكتبون مقالات منسوخة تبدأ بـ”في ظل المرحلة الراهنة” وتنتهي بـ”ونأمل تجاوز التحديات”، دون أن يجرؤ أحدهم على قول الحقيقة كما هي. تحديات؟ أي تحديات؟ المدينة تُنهب، تُهان، تُقتل، وأنت ما زلت تأمل؟
يا أبناء تعز، هل تنتظرون أن يأتيكم الحل من إسطنبول؟ أم من مجلس حكماء الفيسبوك؟ أم من منشور عابر يتباكى على تعز دون أن يغيّر شيئًا؟