اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

عملية الأسد (الصاعد) والوعد (الصادق) بين إسرائيل وإيران.. هل ستتحول من مواجهات إلى حرب شاملة؟

شهدت عملية “الأسد الصاعد”، في يومها الأول، استهداف طيفٍ واسعٍ من القدرات الدفاعية والنووية الإيرانية، فضلاً عن اغتيال قيادات عسكرية ونخب علمية إيرانية، وذلك على نحو متزامن وعالي الدقة.

النقابي الجنوبي/خاص

خطأ التقديرات والتحليلات

أثبتت العملية خطأ كل التقديرات والتحليلات السابقة، التي انتشرت خلال العقدين الماضيين، والتي تصورت أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية سيكون عبر ضربة جوية جراحية محدودة تستنسخ عملية “أوبرا” التي استهدفت مفاعل تموز النووي العراقي، في يونيو/حزيران 1981، أو عملية “أورتشرد” التي استهدفت مفاعل الكبر النووي السوري، في سبتمبر/أيلول 2007.
من البديهي أن المضي نحو ضربة عسكرية واسعة بشكل غير مسبوق يعكس تغييراً مهماً في التفكير السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي. وسنناقش هذا الجانب في مقالات أخرى قريباً. ولكن ما يجب التركيز عليه اليوم هو التفاصيل التقنية والعسكرية التي سمحت بتنفيذ مثل هذه الضربة.

العملية ليس مزمنة

عملية “الأسد الصاعد” لا تزال مستمرة. وقد تستمر لعدة أيام أو أسابيع أخرى، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية. ومن ثم فإن فهم ما حصل في اليوم الأول يمكن أن يسمح بتوقع ما يمكن أن يحصل في الأيام التالية للعملية.

معركة قد تتحول إلى حرب

النقطة الأهم التي يمكن الانطلاق منها هي أن العملية مثال على جيل جديد من الحروب والعمليات العسكرية. فالعملية التي شهدت في اليوم الأول أكثر من عشر موجات من الهجمات الجوية المتتالية (فضلاً عن عمليات استخبارية وخاصة داخل إيران) مستهدفةً أكثر من 200 هدف في إيران هي أبعد وأكثف العمليات العسكرية الجوية التي تنفذها إسرائيل.

وفي الحقيقة، فإن كلمة “عملية” غير دقيقة تماماً. فما يحصل حالياً هو معركة قد تتحول إلى حرب. والتاريخ المعاصر لم يشهد سوى القليل من المعارك التي تحصل بين دول غير متجاورة جغرافياً.

والقدرة على شن المعارك والحروب العابرة للجغرافيا طالما كانت حكراً على بعض القوى العظمى، على رأسها الولايات المتحدة.

تعقيدات لوجستية

تنفيذ العمليات العسكرية البعيدة المدى ليس أمراً معقداً بسبب العوامل اللوجستية، والتكلفة المالية العالية فحسب، ولكن أيضاً بسبب التعقيدات المتعلقة بالاتصالات وقدرات القيادة والسيطرة للمستوى العسكري.
وفي حالة “الأسد الصاعد” تحديداً، توجب على إسرائيل جمع المعلومات عن أهداف عسكرية – مادية وبشرية – متناثرة عبر مساحة إيران البالغة 1.6 مليون كيلومتر مربع، ثم الاستمرار بمتابعة هذه الأهداف حتى بعد انطلاق العملية، أي بعد أن تتجاوز إيران لحظة المفاجأة.
الولايات المتحدة هي وحدها من نفذ عمليات عسكرية مشابهة، من حيث البعد الجغرافي ومساحة أرض الخصم، لعملية “الأسد الصاعد”. والقائمة الأمريكية للعمليات تشمل “عاصفة الصحراء” (1991) و”ثعلب الصحراء” (1998) ضد العراق، و”السندان النبيل” (1998) ضد صربيا، و”فجر الأوديسا” (2011) ضد ليبيا، إلا أن الولايات المتحدة اعتمدت في تلك العمليات على قدرات اتصالات وقيادة وسيطرة هائلة الحجم، شملت عدداً كبيراً من الأقمار الصناعية، وطائرات “الأواكس” التي تحلق بالقرب في المجال الجوي للخصم، أو بالقرب منه، فضلاً عن قطع بحرية للاتصالات والاستخبارات.
واضطرت الولايات المتحدة لحشد هذه القدرات بشكل مسبق قبل انطلاق العمليات. وقدمت هذه الأنظمة المختلفة كميات هائلة من البيانات تمت معالجتها عبر الألوف أو عشرات الألوف من الكوادر البشرية.

الذكاء الاصطناعي يغير المعادلة

إسرائيل اليوم تنفذ عملية مقاربة من حيث الحجم لتلك العمليات الأمريكية، ولكن من دون الحاجة إلى نشر أي من هذه الأنظمة الجوية والبحرية بشكل معلن أو مسبق بالقرب من إيران. كما أن القيود البشرية التي تعاني منها إسرائيل لا تسمح لها بتوظيف عشرات الألوف لتنفيذ عمليات معالجة البيانات كما كان الحال مع الولايات المتحدة.
ما نراه اليوم هو مثال على الجيل الجديد من الحروب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي سواء في عمليات جمع وتحليل المعلومات، أو عبر تشغيل الأنظمة المسيرة والذاتية القيادة. وهذه القدرات هي ما سمح لإسرائيل بتنفيذ عمليات تقارب من حيث الحجم والنوع ما كان متاحاً فقط للولايات المتحدة.
تمتلك إسرائيل حالياً 12 قمراً صناعياً للاستخدامات الدفاعية. وهذا ما يعتبر ضئيلاً بالمقارنة مع ما تمتلكه الولايات المتحدة، إلا أن استخدام إسرائيل لتقنيات الذكاء الاصطناعي سمح لها بالاستفادة بشكل غير مسبوق مما تقدمه الأقمار الصناعية.
المشكلة الأهم عند استخدام الأقمار الصناعية في المجال الدفاعي هي الزمن اللازم لمعالجة البيانات المصورة والإلكترونية القادمة من هذه الأقمار التي ترصد أيضاً الاتصالات والإشارات الإلكترونية للخصم.

إسرائيل طورت عدة أنظمة ذكاء اصطناعي لمعالجة بيانات الأقمار الصناعية، ومقاطعتها ودمجها مع مصادر معلومات أخرى. فتطبيق “Gospel” الإسرائيلي يعالج خلال 30 دقيقة كمية بيانات أقمار صناعية كانت تحتاج سابقاً إلى أسبوع على الأقل للمعالجة، وذلك بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024. ومن المحتمل أن قدرات المعالجة هي أسرع مما ذكرته الصحيفة الأمريكية التي نقلت معلوماتها عن عسكريين إسرائيليين سابقين.

قوة ايران الصاروخية

إيران ردت في اليوم الأول لعملية “الأسد الصاعد” ما يقارب 300 صاروخ بالستي باتجاه تل أبيب، إلا أن النتائج بقيت متواضعة، سواء لناحية الخسائر المادية والبشرية أو لناحية التأثير في القرار الإسرائيلي.

أن تتلاشىء فاعلية مئات البالستية الإيرانية في اليوم الأول للمواجهة، وأن يتآكل المخزون الباقي بشكل متسارع، هو مشهد لم يكن يمكن تصوره حتى منذ بضعة أشهر.

ما رأيناه، وسنراه في الأيام المقبلة، هو أمثلة على الجيل الجديد من الحروب والعمليات العسكرية التي ستغير التوازنات الجيوسياسية، وتعيد رسم الأنظمة الإقليمية.

ضربة موجعة

اعترفت وسائل إعلام إيرانية ومرجعيات دينية وعسكرية، بخسارة ضخمة في عملية الأسد الصاعد في قادات الجيش والعلماء واعلنت إيران رسميا تعيين قائدين جديدين لرئاسة الأركان والحرس الثوري خلفا للقائدين العسكريين اللذين قتلا في الهجوم الإسرائيلي.

وأوضحت أن المرشد الإيراني علي خامنئي، عيّن مساعد قائد الجيش الإيراني لشؤون التنسيق حبيب‌ الله سياري رئيسا مؤقتا لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، خلفا لمحمد باقري.

كما عيّن خامنئي أحمد وحيدي قائدا عاما للحرس الثوري، خلفا لحسين سلامي.

ووفق ما أوردته وسائل إعلام إيرانية وإسرائيلية، فقد أسفر الهجوم عن مقتل:

قائد أركان القوات المسلحة محمد باقري.
قائد الحرس الثوري حسين سلامي.
القيادي البارز في الحرس الثوري غلام علي رشيد.
الادميرال أمير علي حاجي زادة قائد القوة الجوفضائية.
اللواء غلام علي رشيد قائد مقر خاتم الأنبياء وقادة آخرين من الصف الأول والثاني.
إضافة إلى 10 علماء نوويين بارزين في علم الذرة وتخصيب اليورانيوم.

زر الذهاب إلى الأعلى