«بسمة نصر» : أزمة الكهرباء.. وقود مفقود وإرادة سياسية غائبة

بسمة نصر
لا شيء يعكس حجم العجز الحكومي في إدارة الأزمات مثل تكرار انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي ولساعات طويلة، تجاوزت مؤخرا 16 ساعة، وكأن الظلام أصبح قدرا لا مفر منه في حياة الناس. أزمة الكهرباء الأخيرة ليست مفاجئة، ولا هي الأولى من نوعها، لكنها تكشف بوضوح حجم التخبط والاعتماد المزمن على حلول إسعافية قصيرة الأمد، بدل التخطيط الاستراتيجي المستدام.
الوضع وصل إلى حد أن البلاد أصبحت تنتظر “شحنات ديزل إسعافية” لإنقاذ ما تبقى من ساعات كهرباء متقطعة. نعم، خمسـة آلاف طن من الوقود وصلت كجرعة تنفس صناعي للمحطات، وسط ضجيج إعلامي عن “انفراجة قريبة”. لكن ما الجدوى من هذه الانفراجة إن كانت مؤقتة؟ وما الذي سيحدث بعد نفاد الشحنة القادمة؟
الحكومة من جهتها عقدت اجتماعا طارئا، برئاسة رئيس الوزراء سالم بن بريك، في محاولة لتدارك الأزمة. وهذا جيد. لكن الملاحظ أن هذا النوع من الاجتماعات لا يحدث إلا عندما تصل الأمور إلى حافة الانهيار. ماذا عن التخطيط؟ عن الصيانة؟ عن تنويع مصادر الطاقة؟ عن الشفافية في توزيع الوقود؟ عن مكافحة الفساد المستشري في هذا القطاع الحيوي؟
المواطن يدفع الثمن مرتين: مرة في الظلام، ومرة في فواتير باهظة لا تعكس خدمة فعلية. والنتيجة: مدارس مغلقة، مشافي بلا أجهزة، اقتصاد مشلول، وأعصاب مشدودة تحت وطأة الحر وانعدام التبريد والمياه.
إن الحديث عن حلول مؤقتة لم يعد كافيا. المطلوب الآن هو موقف سياسي شجاع، واستراتيجية وطنية تعيد بناء قطاع الكهرباء على أسس واضحة ومستدامة. نحتاج إلى رؤية، لا إلى ردات فعل. إلى بنية تحتية تحمى من الفساد، لا إلى وعود تستهلك في المؤتمرات الصحفية.
أزمة الكهرباء ليست أزمة وقود فحسب، بل هي أزمة إدارة، وأزمة ثقة، وأزمة غياب للإرادة الحقيقية في التغيير.