#بعسسة.. حين قررت أعيش حياة طبيعية

#بعسسة.. حين قررت أعيش حياة طبيعية
علي محمد سيقلي
في لحظة صفاء عابرة، قلت لنفسي: “يا شيبة النحس، عش حياة طبيعية، خفيفة، بلا مبالغة، بلا دراما، بلا فلسفة زايدة.”
حياة إنسان عادي، يصحى، يتنفس إيجابية، يروح يتقرع بمطعم المجد، ويروح دوامه في موعده.
في اليوم الأول، قررت أكون إيجابي، وأن لا أسأل عن سعر الصرف، ولا عن أسباب سقوط العملات الأجنبية أمام هيبة الريال اليمني.
وفي منتصف اليوم، جلست على قارعة “مقهاية كشر”، أحاول أكون مواطن طبيعي، فتحت جوالي أتصفح آخر الأخبار التي تتحدث عن انخفاض أسعار المواد الغذائية، ولم أجد ما يطمئن أن الحال قد تغير، سوى ما نسمعه من مبادرات أمنية ومجتمعية لمراقبة الأسعار، وإعادتها إلى بيت الطاعة.
في اليوم الثاني، قررت أكون اجتماعي.
رحت أزور صديقي الأكاديمي العاطل منذ 7 سنوات، فوجدته قد فتح مشروع صغير على قد الحال، لتأجير “اليأس”،
قال لي: “كل واحد يجي يستعير حالة اكتئاب ويخرج بشهادة كفاءة نفسية”.
ضحكت، قلت له: “إبداعك يستحق تمويل خارجي من صندوق النكد الدولي”.
وفي الليل، جربت أعيش اللحظة، فأطفأت النور، وسرحت أفكر، لكنني اصطدمت بحقيقة مزعجة:
الناس اللي تقول لك “عيش اللحظة”، غالباً معها منظومة متكاملة، ولا دارية عن ضراط كهرباء ملاعين الوالدين.
وفي اليوم الثالث، قررت أكتب منشور عن “حب الذات”.
وقبل ما أنشره، جاءني صاحب البيت يطرق الباب بعصبية، يسأل عن الإيجار.
قلت له: “أنا أحب ذاتي، وأستحق أعيش بكرامة”، رد علي بوجه كأنه نهاية العالم، “حب ذاتك خارج بيتي، وسلم المفتاح، وخلي عمك “كرامة” إمام المسجد، يعطيك بيته”.
فطويت المنشور، وكتبت بدلا عنه، “حب الذات رفاهية لا يقدر عليها من يدفع الإيجار بالدعاء”.
وفي مساء اليوم الرابع، حاولت أفكر بإيجابية أكثر، وقلت لنفسي, “ليش ما أشتغل على مشروع صغير للطاقة البديلة؟”
لكن السؤال الواقعي اللي هز كياني هو، “كيف أقنع الشمس أن تبقى معي حتى صباح اليوم الثاني؟”
مش عشان الرومانسية، بس عشان تلحق تشحن الألواح قبل ما الغيم يتدخل ويطفي الإنترنت، وتبقى أنت وكرامتك في ظلام دامس “زي وجهك”
وهكذا، بعد أسبوع من الحياة الطبيعية، رجعت كما كنت، أكتب سخريتي على حواف الدفاتر القديمة، وأراقب أحلامي وهي تركض حافية القدمين، في ملعب الحبيشي، وأقول للناس: “أنا أحس نفسي مش طبيعي، ومش مجنون”.
في هذا البلد، أن تحاول أن تعيش طبيعيا، يشبه أن تحاول إقناع الشمس تبقى معك حتى الفجر، مش عشان الرومانسية، بس عشان تلحق تشحن لوحك، وتشحن جوالك، وتشحن صبرك.
لكن الشمس في بلادنا مثل أعضاء مجلس الرئاسة، يغربون عنا عندما نكون بحاجتهم، ويتركوننا نواجه الظلام بلا موعد ولا مولد، ويثبتون حضورهم عندما يوجه التحالف بوديعة مالية أو قرض حسن.
وبهكذا نعيش حياة اليتم بلا رقيب أو حسيب، كل ما نستطيع فعله هو أن نكون نصف نكتة، ونصف نشرة جوية، ومسخرة بين الأمم
وتبقى تضحك، لا لأنك سعيد، بل لأن البكاء ما عاد ينفع، ولا الشكوى تفيد.