اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

عامر الحربري:  حينما يتحول الوعي الشعبي إلى سيوف تنهش ذاتها

 

كتب / عامر الحريري

في لحظات التحول التاريخي للشعوب، يصبح الوعي الشعبي هو السلاح الأقوى، والدرع الأمتن، والبوصلة التي تهدي الركب وسط عواصف السياسة وتلاطم الأطماع. غير أن أخطر ما يواجه الشعوب ليس رماح الأعداء، بل سهام الجهل المتدثرة بلبوس الوعي، حينما ينقلب هذا الوعي إلى معول يهدم ما يملكه الشعب نفسه، بدل أن يكون سراجا يضيء دربه.

إن الوعي الجنوبي اليوم يقف عند مفترق طرق خطير؛ بعض أبنائه – بحسن نية أو بسوء تقدير – حوّلوا النقد إلى جلد، والتصحيح إلى تدمير،والاختلاف إلى حرب بسوس لا تبقي ولا تذر. يظنون أنهم يحمون البيت، فيما سهامهم المسمومة تصيب قلبه وتترك الأعداء يرقصون على أنغام تمزقنا.

أليس من العبث أن تتحول الأخطاء الصغيرة إلى معارك كبرى؟ أن نبحث تحت المجهر عن زلات القيادة ونتعامى عن جبال التحديات التي يكدسها الخصوم في طريقنا؟ إن النقد البناء حق، بل واجب، لكن النقد الذي يتحول إلى لعنة دائمة، إلى صرخة لا تقترح بديلا ولا تصنع شمعة، ليس سوى سهم يخترق صدر الجنوب من داخله.

القيادة – أياً كانت تحفظاتنا عليها – هي اليوم الجدار الذي يحمي مشروعنا الوطني. فهل يعقل أن ننقض على الجدار بالفؤوس، ثم نبحث عن مأوى حين تتداعى علينا ذئاب الشمال وحلفاؤها؟! هل المطلوب أن نهدم ما بنيناه بأيدينا، ثم ننتظر أن يبنيه لنا الأعداء وفق مقاس أطماعهم؟

إن أخطر الأعداء ليس من يقاتلك من الخارج، بل من يفتح لك الجرح من الداخل وهو يظن أنه يداويك. الجنوب يحتاج اليوم إلى وحدة الصف، إلى لمّ الشمل، إلى أن يتحول النقد إلى نصيحة صادقة، وإلى أن يُحترم مصدر القوة مهما بدا ضعيفا، فالقوة تُبنى بالتعاضد لا بالتناحر.

أيها الناقدون: إن كنتم تملكون رؤية، فصوغوا كياناتكم وقدموها للشعب، فالجنوب يتسع لكل جهد صادق. وإن لم يكن بين أيديكم إلا معاول الهدم، فارحموه من قسوة أيديكم، ودعوا من تصفونه بالضعف يحاول، فلعل محاولته خير من انتظاركم الذي لا يجلب سوى الرماد.

إشعلوا شمعة بدل لعن الظلام، وكونوا معول بناء لا معول هدم. فالأمة التي تأكل أبناءها بسيوف النقد الأعمى، لا تترك لأجيالها إلا أطلالا من الأمل المهدور.

إن حسن الوعي هو أن نصون بيتنا، لا أن نحرقه لنثبت أننا نرى الشرر. الجنوب اليوم بحاجة إلى صدور واسعة، إلى عقول تصبر وتبني، لا إلى أيادٍ تطيح بكل شيء وكأنها حاطب ليل يضرب بفأسه كل ما أمامه. فلتكن كلمتنا عوناً، لا لعنة.

زر الذهاب إلى الأعلى